عتوهم أن قالوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)، فأذلهم اللَّه تعالى حتى خضعوا لأضعف شيء، وأخافهم منه، وهي الأصنام التي عبدوها، حتى خوفوه وقالوا: (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ)، وذلك غاية الذل والهوان، أن خافوا من أضعف شيء وأعجزه، بعدما بلغ من عتوهم وتمودهم أن قالوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً).
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الرِّيحَ الْعَقِيمَ).
قال أَبُو عَوْسَجَةَ: تفسيرها ما ذكر في الآية: (مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ).
وقال غيره: العقيم هو الذي لا خير فيه ولا بركة؛ أي: عقمت عن الخيرات؛ ولذلك يقال للمرأة التي لا تلد، والرجل الذي لا يولد له: العقيم؛ لما أنه ليس منهما منفعة الولد ولا بركته؛ فعلى ذلك الريح العقيم، أي: لا منفعة فيها ولا بركة؛ فأما للمؤمنين، فهي نافعة - أيضًا - حيث أهلكت أعداءهم ولم تهلكهم، وفي ذلك تطهير الأرض عن نجاسة الكفر.
وفي الخبر عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " نصرت بالصَّبا، وأهلكت عاد بالدبور ".
وقيل: (الرِّيحَ الْعَقِيمَ): هي الدبور، وهي التي لا تلقح الأشجار والسحاب والنبات.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢).
أي: ما تذر من شيء أتت عليه، وأمرت هي بإهلاكه، وأذن لها بذلك، إلا جعلته كالرميم؛ ألا ترى أنها أتت على أشياء لم تهلكها، وقد سلم - عليه السلام - وقومه من المؤمنين، وإلى أنهم لما رأوها من بعد قالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا)، فقال هود - عليه السلام - (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)، وما ذكر (فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ)، أخبر أنها قد أبقت مساكنهم، وهو ما ذكر في آية أخرى: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا)، أي: تدمر كل شيء أمرت وأذن لها بالتدمير؛ ليعلم أنها كانت تعمل بالأمر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣).
أي: وفي أمر ثمود وإهلاكهم أيضًا آية وحجة للمؤمنين.
ثم ذكر عتوهم وتمردهم (إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ)، وهو الثلاثة أيام التي ذكرت في