يتلى عليهم، وقرعوا به، والتقريع يجري في ترك اللازم، لا في ترك ما ليس عليه.
ولأن المعنى الذي له وجب السجود على التالي قائم في السامع؛ إذ التالي إنما لزمه السجود؛ لما ذكر من آيات اللَّه - تعالى - وقامت عليه من الحجج؛ فلزمه أن ينقاد لها ويخضع، والسامع قد قامت عليه الحجج؛ فيلزمه أن يخضع لها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) يحتمل وجهين:
أحدهما: أنهم يكذبون رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام؛ فيحملهم ذلك على التكذيب بالقرآن؛ لأنهم إذا كذبوا رسالته لم يصدقوه فيما يأتي من الأخبار، لا أن يكون في الأخبار معنى يحملهم على التكذيب؛ بل القرآن يحملهم على التصديق والإيمان لو أنعموا النظر فيه، وبذلوا من أنفسهم الإنصاف.
أو يكون معناه: أن الذين كفروا هم المكذبون؛ فيكون الكفر منهم تكذيبا، والتكذيب منهم كفرا.
وقوله: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (٢٣) يحتمل أوجها:
أحدها: ما يضمرون من الكيد والمكر برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فاللَّه أعلم بكيدهم، لا يتهيأ لهم أن ينفذوا كيدهم فيه إلا ما كتب اللَّه عليه؛ فيكون فيه بشارة له بالنصر والتأييد.
والثاني: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ) في قلوبهم من التصديق، ويظهرون من التكذيب بألسنتهم، وإنما يوعون من التكذيب بألسنتهم وقلوبهم معا، وذلك أن البعض منهم كان قد أيقن برسالته؛ فكان يصدقه بقلبه، ويكذبه بلسانه على العناد منه والتمرد.
ومنهم من لم يكن عرف صدقه بقلبه؛ لما ترك الإنصاف من نفسه بإعراضه عن النظر في حجج ألله - تعالى - فكان يكذبه بقلبه ولسانه جميعا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٤) البشارة إذا فسرت، استقام حملها على الحزن والسرور جميعا، وأما البشارة المطلقة إنما تستعمل في موضع إدخال الفرح والسرور في القلب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ... (٢٥) جائز أن يكون هذا منصرفا إلى كل من آمن.
وجائز أن يصرف إلى من آمن من الذين كانوا يوعون ما ذكرنا.
وقوله: (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) نذكره في سورة " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ "، إن شاء اللَّه تعالى.
* * *