سُورَةُ الْبُرُوجِ، وهي مَكِّيَّة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* * *
قوله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (١٠) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١).
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ)، فقوله: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) على القسم، وكذلك ما ذكر عقيبه.
ثم اختلف في موضع القسم في هذه السورة:
فمنهم من ذكر أن القسم لمكان قوله: (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ).
ومنهم من يقول: القسم موضعه على قوله: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ)، وهو أشبه؛ لأنه في موضع الاحتجاج على الكفرة.
ولو حمل القسم على قوله: (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ)، كان ذلك منصرفا إلى المؤمنين، والمسلمون قد تيقنوا بصدق ما يأتي به الرسول من الأنباء، والقسم يذكر على تأكيد ما يقصد إليه؛ ليزال عنه الريب، فإذا كان المسلمون غير مرتابين في نبئه استغنوا عن تأكيده بالقسم؛ فلذلك قلنا: إن صرفه إلى قوله - تعالى -: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ)، أليق؛ فيكون فيه تحذير لمن كذب رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن بطشه لمن كذب رسوله لشديد، وقد علموا ذلك بما وصل إليهم من نبأ عاد، وثمود، وفرعون، وغيرهم.
وجائز أن يكون موضع القسم على قوله: (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ)، وذلك أن أهل مكة كانوا أهل تعذيب لمن آمن بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ فكان في ذكر ما نزل بالمتقدمين من الفراعنة من العذاب، وصبر أُولَئِكَ المعذبين على دينهم، وضنهم به، وحسن ثناء اللَّه - تعالى - عليهم تصبير لهم، وتهوين على ما يلقون من العذاب؛ لينالوا من حسن ثناء اللَّه -