أريد به غير الذي يراد به إذا أضيف إلى الأجسام والأشخاص، واللَّه أعلم.
واللَّه تعالى لا يوصف بالجسمية حتى يفهم من مجيئه ما يفهم من مجيء الأجسام، ولا يوصف بالعرض؛ ليراد به ما يراد من مجيء الأعراض؛ فحقه الوقف في تفسيره مع اعتقاد ما ثبت بالتنزيل من غير تشبيه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (٢٣).
قيل فيه من أوجه:
أحدها: أنها أظهرت وبرزت لأهلها، على ما قال في آية أخرى: (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ)، لا أنها كانت في مكان فنقلت عنه، وقد يراد بالمجيء الظهور، قال اللَّه - تعالى -: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ)، ومعناه: ظهو لكم، لا أن كان في مكان آخر فجيء به إليهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: جيء بأهلها إليها -أي: إلى جهنم- فيكون حقيقة المجيء من الأهل، ثم نسب إليها؛ لأنهم إذا أتوها فقد أتتهم هي، وهو كقوله: (إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا)؛ فنسب الإتيان إلى الذي يأتيه الوعد؛ فيكون الوعد هو الذي يأتي أهله.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ)، أي: يجيء زفرتها وشهيقها وتغيظها على أهلها، لا أن تغير عن مكانها.
ومنهم من حمله على حقيقة المجيء؛ فذكر أنه يؤتى بها ولها سبعون ألف زمام، على كل زمام سبعون ألف ملك، واللَّه أعلم بذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ) يحتمل أن يتذكر إشفاق الأنبياء - عليهم السلام - ونصحهم لهم؛ فيعلم أنه كان فيما توهم بهم من الظنون القاسدة مبطلا؛ فيكون تذكره ذلك تصديقا منه للرسل، عليهم السلام.
(وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى)، أي: لا ينفعه تصديقه إياهم، إذ لم يصدقهم في الدنيا.