والثالث: ما قاله أهل التأويل: ثم رددناه إلى أرذل العمر وأسفله، ثم استثنى (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا (٦). . .) إلى آخره، أي: يجري عليهم ثواب أعمالهم التي عملوا بها في حال صحتهم وشبابهم، فأما أُولَئِكَ فإنهم إذا ردوا إلى ما ذكر، لم يجر لهم ذلك؛ وهذا التأويل إنما يصح، أن لو استثنى المحسنين من المؤمنين منهم، فأما إذا استثنى أهل الإيمان من أهل الكفر فإنه لا يحتمل، والأول أشبه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّين (٧):
إن كان الخطاب به لكل إنسان كذب بالدِّين، يقول: ما الذي دعاك إلى تكذيبك بالدِّين؟ وقد عرفت أن اللَّه - تعالى - أحكم الحاكمين، لا يفعل إلا ما هو حكمه، ولو لم يكن يوم الدِّين كان فعله عبثا باطلا؛ لأنه أنشأكم، ثم رباكم إلى أن بلغتم إلى الحال التي بلغتم، فلو لم يكن بعث، لكان يخرج فعله عبثا باطلا.
أو يقول: لما سوى بين من اختار ولايته وبين من اختار العداوة في هذه الدنيا، وفي الحكمة التفريق بينهما؛ فلا بد من مكان يفرق بينهما هنالك.
وإن كان الخطاب في قوله: (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّين) ولرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يقول: أي حجة له في تكذيبك بما تخبره من الدِّين؟ أي: لا حجة له في ذلك.
أو يقول: ما الذي دعاه إلى تكذيبه بالدِّين بعد ما عرف أني أحكم الحاكمين؟!.
ثم اختلف في قوله: (بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (٨):
قَالَ بَعْضُهُمْ: أحكم القاضين، أي: أعدلهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أحكم الحكماء، والإفناء بلا بعث فعل السفهاء، لا فعل الحكماء، وهو أحكم الحاكمين، أي: أعدل القاضين في التفريق بين الأولياء والأعداء، وقد اجتمعوا في الدنيا؛ فلا بد من دار يفرق بينهما فيها، واللَّه الموفق.
* * *