الموت؛ كقوله - تعالى -: (فَلَمَّا رَأَوا بَأسَنَا. . .)، ونحو ذلك.
وذكر في حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (لم يكن المشركون وأهل الكتاب منفكين)، وفي حرف أبي: (ما كان الذين أشركوا من أهل الكتاب والمشركين).
ثم اختلف في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مُنْفَكِّينَ):
قَالَ بَعْضُهُمْ: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منتهين، زائلين عن الكفر والشرك حتى تأتيهم البينة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين خارجين من الدنيا حتى تأتيهم البينة.
ثم اختلفوا في البينة التي ذكر أنها تأتيهم:
قَالَ بَعْضُهُمْ: البينة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ حيث قال على أثره: (رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ما جاء به رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وهو القرآن، وما جاء به مُحَمَّد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من الحجج:
فمن جعل قوله: (مُنْفَكِّينَ): منتهين، زائلين، يجعل البينة: رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، ورسول اللَّه - عليه السلام - سمي بينة؛ لأنه به يعرف كل خير وكل إحسان، وبه يتبين الحق من الباطل، وكل شيء من أمر المعاد والمعاش، وكذلك القرآن جاء به.
ومن قال: (مُنْفَكِّينَ): خارجين من الدنيا: يجعل البينة التي ذكر أنها تأتيهم: العذاب معاينة جهارا؛ كقوله - تعالى -: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ. . .)، أي: خارجين من الدنيا؛ حتى يعلموا العذاب؛ فعند ذلك يؤمنون.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (٢):
على التأويل الأول في البينة يكون ما ذكر من قوله: (رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ) تفسيرا للبينة.
وعلى الثاني يخرج على الابتداء، يقول: رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يتلو صحفا مطهرة.
ثم جائِز أن يكون سمى القرآن وحده: صحفا؛ على المبالغة؛ إذ قد يسمى الواحد باسم الجميع على المبالغة.