وجائز أن يكون قوله - تعالى -: (فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ)، أي: أحكام كثيرة مستقيمة؛ على ما توجبه الشريعة والحكمة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤):
يقول أهل التأويل: إنما تفرقوا من بعد ما جاءتهم البينة، وهو مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
قال أبو بكر: هذا التأويل خطأ؛ لأنهم كانوا متفرقين قبل ذلك؛ فلا معنى لهذا.
وعندنا: ليس كما توهم هو، وهو يخرج على وجهين:
أحدهما: وما تفرقوا في مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إلا من بعد ما جاءهم العلم به، عند ذلك تفرقوا فيه، فأما قبل ذلك، كانوا مجتمعين فيه كلهم.
أو ما تفرقوا في الدِّين والمذهب إلا من بعد ما جاءتهم البينة، أي: عن بيان وعلم تفرقوا في الدِّين، وفيما تفرقوا فيه، وهو ما جعل في خلقة كل أحد دلالة التوحيد والربوبية له ما لو تفكروا، لعرفوا بأن اللَّه - تعالى - واحد، والبينة تحتمل من هذا الموضع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - والقرآن، ونفس الخلقة على ما ذكرنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥).
أي: ما أمر أوائلهم وأواخرهم في تلك الكتب إلا ليعبدوا اللَّه - تعالى - ولا يعبدوا من دونه.
أو ما أمروا إلا ليجعلوا الألوهية لله والوحدانية له.
ودل قوله: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ) على أن تأويل قوله - تعالى -: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، على إضمار الأمر، أي: إلا ليأمرهم بالعبادة على كل حال؛ لأنه لو خلقهم للعبادة ما قدروا على غيره.
أو أن يكون قوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) على الخصوص، خلق من علم أنه يعبده للعبادة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ): إخلاص الدِّين له يخرج على وجهين:
أحدهما: أن يخلص له الدِّين، ويصفى، لا يشرك فيه غيره، ويكون من خلوصه وصفائه.
والثاني: الدِّين الخالص هو الدائم، كقوله (وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا. . .)،