في آخرها، فوقعت في صدره، فنفذته وقتلته، وقتل الحجر بعد ما نفذ جنودًا كثيرة، وهزم اللَّه جنوده. وهو قوله: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ)، والقصة طويلة فلا ندري كيف كانت القصة وليس لنا إلى معرفتها حاجة (١).
وقوله: (وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ).
فالملك يحتمل: علم الحرب، وسياسة القتال؛ إذ لم يكونوا يقاتلون إلا تحت أيدي الملوك، وهو كقوله: (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ).
ويحتمل: (الْمُلْكَ)، بما عقد له من الخلافة؛ كقوله: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ).
وذكر: (وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ) الأمرين لما كان من قرب زمانه على ما عليه ابتداء الآية أن الملك يكون غير نبي، فجمعا جميعًا له فيكون على ذلك تأويل الحكمة أنها النبوة.
(وَالْحِكْمَةَ)، قيل: هي الفقه.
وقيل: هي النبوة. وقد تقدم ذكره.
وقوله: (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ).
قيل: صنعة الدروع، كقوله: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ).
وقيل: كلام الطير، وتسبيح الجبال، كقوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ). وذلك مما خص به داود دون غيره من الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام.
ويحتمل: (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ)، أشياء أخر.
وقوله: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: دفع بالكفار بعضهم ببعض شرهم عن المسلمين، لما شغل بعضهم ببعض، وجعل بعضهم لبعض أعداء إلى أن لم يتفرغوا عن أنفسهم للمسلمين، وإلا كان
(١) القصة تفتقر إلى سندٍ صحيح، وإن كانت روائح الإسرائيليات تفوح منها، ونعم ما قال المفسِّر - رحمه اللَّه -.