فكذلك الثواب الذي يكون للصدقة يذهب ويتلاشى حتى لا يُظفر بها بالمن والأذى والرياء، كما أذهب المطر التراب الذي على الصفوان، فصار صلدًا، لا شيء عليه من التراب.
وقوله تعالى: (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي القَومَ الْكَافِرِينَ).
قالت المعتزلة: لا يهدي القوم الكافرين بكفرهم الذي اختاروا.
وقلنا نحن: لا يهديهم وقت اختيارهم الكفر، ويهديهم وقت اختيارهم الإيمان.
وفي قوله: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى)، وجه آخر، هو أن يحتمل قوله: (مَعْرُوفٌ)، هذه التسبيحات والثناء والحمد، (وَمَغْفِرَةٌ)، ستر ما ارتكب من المأثم. وقوله: (خَيْرٌ)، أي أحب على البذل من صدقة يتبعها أذى. واللَّه أعلم.
وقوله: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥)
في الأمثال التي ضربها اللَّه تعالى وذكرها في القرآن وجوه:
أحدها: جواز قياس ما غاب من الحكم عن المنصوص بالمنصوص إذا جمعهما معنى واحد.
والثاني: أن علوم المحسوسات والمشاهدات هي علوم الحقائق، وهي الأصول التي بها يستدل ويوصل إلى صرفة الغائب.
والثالث: فيها إثبات رسالة مُحَمَّد، عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات، وذلك أن العرب كانت لا تضرب الأمثال، ولا كانت تعرفها في أمر التوحيد وتعريف ما غاب عن حواسهم من أمر القيامة ونحو ذلك. ثم بعث اللَّه تعالى محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وأنزل عليه القرآن، وذكر فيه الأمثال؛ ليذكرهم تلك الأمثال ليعلموا أنه إنما عرفها باللَّه عَزَّ وَجَلَّ، لا أنه أنشأ هذا القرآن من تلقاء نفسه. وذلك من آيات نبوته ورسالته. وعلى ذلك جعل عدم الكتابة وإنشاء الشعر من آيات نبوته ورسالته؛ لأن من عادة العرب إنشاء الشعر والكتابة، ويفضلون أربابها على غيرهم؛ لئلا يعرف هو بها، ويقولون: إنه أخذ من الكتب، أو اختلق من نفسه، كقوله تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ