ثم قال عز وجل: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى وهو المصيبات والقتل والجوع دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ وهو عذاب النار. يعني: إن لم يتوبوا. ويقال: الْعَذابِ الْأَدْنى هو السحر للفاسقين، والعذاب الأكبر النار إن لم يتوبوا. ويقال: الْعَذابِ الْأَدْنى عذاب القبر. وقال إبراهيم: يعني: سنين جدب أصابتهم. وقال أبو العالية: مصيبات في الدنيا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ يعني: يتوبون.
قوله عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ يعني: وعظ بآيات ربه القرآن ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها يعني: عن الإيمان بها فلم يؤمن بها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ بالعذاب يعني: منتصرون.
ثم قال عز وجل: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يعني: أعطينا موسى التوراة فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ قال مقاتل: يعني: فلا تكن في شك من لقاء موسى التوراة. فإن الله عز وجل ألقى عليه الكتاب. وقال في رواية الكلبي: فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ من لقاء موسى- عليه السلام-، فلقيه ليلة أُسري به في بيت المقدس يعني: لقي النبيّ صلّى الله عليه وسلم موسى هناك. ويقال: لقيه في السماء. وذكر الخبر المعروف أنه فرض على النبيّ صلّى الله عليه وسلم خمسون صلاة. فقال له موسى- عليه السلام-: ارجع إلى رَبّكَ فَاسْأَلْهُ التخفيف لأمتك. فلم يزل يرجع حتى حطّ الله عَزَّ وَجَلَّ إلَى الخمس ويقال: فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ يعني: من لقاء الله عز وجل وهو البعث بعد الموت. ويقال: فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ يعني: لا تشكن أنك تلقى موسى يوم القيامة.
ثم قال عز وجل: وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ يعني: جعلنا التوراة بياناً لهم، وهدى من الضلالة. ويقال: وَجَعَلْناهُ هُدىً يعني: جعلنا موسى هادياً لبني إسرائيل يدعوهم وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يعني: وجعلنا من بني إسرائيل قادة في الخير يَهْدُونَ بِأَمْرِنا يعني:
يدعون الناس إلى أمر الله عز وجل لَمَّا صَبَرُوا أي: حين صبروا ويقال: هو حكاية المجازاة، يعني لما صبروا جعلنا منهم أئمة ومن قرأ بالتخفيف لَمَّا صَبَرُوا أي بكسر اللام والتخفيف. وقرأ الباقون بالنصب والتشديد. فمن قرأ بالتشديد لَمَّا صَبَرُوا بما صبروا، وتشهد لها قراءة ابن مسعود، كان يقرأ بِمَا صَبَرُواْ. ويقال: معناه كما صبروا عن الدنيا، وصبروا على دينهم، ولم يرجعوا عنه. ويقال: معناه وجعلناهم أئمة بصبرهم وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ يعني: يصدقون بالعلامات التي أعطي موسى.
سورة السجده (٣٢) : الآيات ٢٥ الى ٣٠
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٢٥) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (٢٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لاَ يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩)
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠)