من غير أن يكونا رأَيَا شيئا (١)، فقال الخباز: {إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَاسِي خُبْزًا تَاكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ} , وقال الآخر: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} قال عبد الله بن مسعود: " مَا رَأَى صَاحِبَا يُوسُفَ شَيْئًا، وَإِنَّمَا كَانَا تَحَالَمَا لِيُجَرِّبَا (٢) عَلِمَهُ (٣) " وقال ابن اسحاق ومجاهد: "إِنَّمَا سَأَلَهُ الْفِتْيَانِ عَنْ رُؤْيَا كَانَا رَأَيَاهَا عَلَى صِحَّةٍ وَحَقِيقَةٍ، وَعَلَى تَصْدِيقٍ مِنْهُمَا لِيُوسُفَ لَعَلِمِهِ بِتَعْبِيرِهَا" قال: إن يوسف لما قالا له وَاللَّهِ يَا فَتَى لَقَدْ أَحْبَبْنَاكَ حِينَ رَأَيْنَاكَ, فقال لهما حين قالا له ذلك: أناشدكما الله أن "لاّ" (٤)
تُحبّاني, فوالله ما أحبّني أحدٌ قط إلاّ دخل عَلَيَّ مِنْ حُبِّهِ بَلَاءٌ, لقد أحبتني عمتي فدخل عَلَيَّ في حبها بلاء, ثم لقد أحبني أبي فلقد دخل عَلَيَّ بحبه بلاء, ثم لقد أحبتني زوجة صاحبي هذا فدخل عَلَيَّ بحبها إياي بلاء, فلا تحبّاني بارك الله فيكما, قال فأبيا إلّا حُبَّهُ، وَإِلْفَهُ حيث كان, وجعلا يُعْجِبُهُمَا ما (٥)، يَرَيَانِ من فهمه وعقله, وقد كانا رأَيا حين أُدخلا السجن رُؤْيَا, فرأى مَجْلِثُ أنه يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه, ورأى نَبُو أنه يعصر خمراً فَاسْتَفْتِيَاهُ فيها وقالا له: {نَبِّئْنَا بِتَاوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} إن فعلت (٦)، وعَنى بقوله: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} أي إني أرى في نومي أني أعصر عنبا (٧)، وسماه خمراً بما يصير إليه أمره (٨).
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعلى الْمَنَّانِ ... صَارَ الثَّرِيدُ فِي رُءُوسِ الْعِيدَانِ (٩)
(١) ابن جرير، مرجع سابق، ١٦/ ٩٥. ابن أبي حاتم، مرجع سابق، ٧/ ٢١٤٣. الثعلبي، مرجع سابق، ٥/ ٢٢٢.
(٢) في (د) "ليختبرا".
(٣) ابن جرير، مرجع سابق، ١٦/ ٩٦.الثعلبي، مرجع سابق، ٥/ ٢٢٢.
(٤) "لا" ليست في الأصل لأن المعنى لا يستقيم بدونها وذكرها ابن جرير، مرجع سابق، ١٦/ ٩٦.الثعلبي، مرجع سابق، ٥/ ٢٢٢ ..
(٥) في (د) "يعجبان مما". وكلاهما صواب محتمل.
(٦) ابن جرير، مرجع سابق، ١٦/ ٢٠٢. ابن أبي حاتم، مرجع سابق، ٧/ ٢١٤٢، ٢١٤٣.
(٧) أخرجه البخاري في تاريخه، ١/ ٢٧٤, ٢٧٥ تعليقا. ابن أبي حاتم، مرجع سابق، ٧/ ٢١٤٢.
(٨) كذا في الأصل بياضُ وفي (د) زيادة "كما قال الشاعر". وهذا هو الصواب لاستقامة المعنى والله أعلم.
(٩) لم أقف على قائله. ذكره النحاس، معاني القرآن، مرجع سابق، ٣/ ٤٢٥. والقرطبي، مرجع سابق، ١٣/ ١٤٦.