جاءهم بمثل ذلك فقال: لينم كل أخوين منكم على مِثَال (١) , فلما بقي الغلام وحده قال يوسف: هذا ينام معي على فراشي, فبات معه, فجعل يوسف يشم رائحته ويضمه إليه, حتى أصبح, وجعل روبيل يقول: ما رأينا مثل هذا أريحونا منه (٢) , وروي عن ابن إسحاق قال: فأنزلهم منازل شتى, وأنزل أخاه معه فآواه إليه, فلما خلا به قال: إني أنا أخوك أنا يوسف فلا تبتئس بشيء فعلوه بنا فيما مضى, فإن الله أحسن إلينا, ولا تعلمهم شيئا مما أعلمتك (٣)، وقال عمر بن ذر (٤):
لما دخل إخوة يوسف عليه, احتبسه فأقبل يحدثه, فقال له يوسف: أكل هؤلاء إخوتك لأبيك؟ قال: نعم, قال: فما لك أخ من أمك؟ قال: كان لي أخ, يقال له يوسف: قال فما فعل؟ قال: أكله الذئب, قال فهل حزن عليه والده يعقوب؟ قال: نعم, حزنا شديدا, قال: وما بلغ من حزنه؟ قال: ذهب بصره فهو كظيم, قال: فهل حزنت أنت عليه؟ قال: نعم حزناً شديدا, قال: فهل تزوجت؟ قال: نعم, قال: وهل يتزوج المحزون؟ قال: الشيخ يعقوب أمرني بذلك, قال: يا بني تزوج لعله أن يولد لك من
(١) فائدة: مُثُلٌ: هي جَمع مِثَال وهو الفِراش. والمِثَالُ: حجَر قد نُقِر في وجهه نَقْرٌ على خِلْقة السِّمَة سواء، فَيُجعلُ فيه طَرَفُ الْعمودِ أَو المُلْمُول المُضَهَّب، فَلَا يَزَالُونَ يَحْنون مِنْهُ بأَرْفَق مَا يَكُونُ حَتَّى يَدخل المِثال فِيهِ فَيَكُونُ مِثْله. والأَمْثال: أَرَضُون ذاتُ جِبَالٍ يُشْبِهُ بعضُها بَعْضًا وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ أَمْثَالًا وَهِيَ مِنَ البَصرة عَلَى لَيْلَتَيْنِ ابن منظور، مرجع سابق، ١١/ ٦١٦. (م ث ل).
(٢) ابن جرير، مرجع سابق، ١٦/ ١٦٩.
(٣) ابن جرير، مرجع سابق، ١٣/ ٢٤٢. ابن أبي حاتم، مرجع سابق، ٧/ ٢١٧٠, ٢١٧١. فائدة: إن المؤمن عندما يبتلى بالشر لا يفقد إيمانه وثقته بالله بل يبقى ينظر إلى الأمور بالمنظار الأبيض، ويبعد عن نفسه الشعور بالإحباط واليأس والإبتئاس ما دام ينتظر الفرج من الله بصبر واحتساب. نصر والهلالي، مرجع سابق، ١/ ٦٨٦.
(٤) عمر بن ذَر بن عبد الله أَبُو ذَر الْهَمدَانِي المرهبي الكوفي, وَقَالَ البُخَارِيّ: "قَالَ أَبُو نعيم مَاتَ سنة ١٥٦ هـ .. " البخاري, محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة ت ٢٥٦ هـ, التاريخ الكبير، مرجع سابق،٦/ ١٥٤. ابن حنبل, موسوعة أقوال الإمام أحمد في رجال الحديث وعلله, جمع وترتيب: السيد أبو المعاطي النوري وأحمد عبد الرزاق عيد ومحمود محمد خليل ,ط ١ (الرياض -عالم الكتب، ١٤١٧ هـ/١٩٩٧ م) , ٥/ ١١. الذهبي , تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام ,ت: الدكتور بشار عوّاد معروف، ط ١ (لبنان-بيروت، دار الغرب الإسلامي ٢٠٠٣ م) ٤/ ١٦٠.