والثاني: أَنَّهُ جعله قِبْلَةً لهم , فأمرهم بالسجود إلى قبلتهم , وفيه ضرب من التعظيم. وأصل السجود الخضوع والتطامن , قال الشاعر:
(بِجَمْعٍ تَضِلُّ الْبَلْقُ في حُجُرَاتِهِ ... تَرَى الأَكْمَ فِيهِ سُجَّداً لِلْحَوافِرِ)
وسمى سجود الصلاة سجوداً , لما فيه من الخضوع والتطامن , فسجد الملائكة لآدم طاعةً لأمر الله تعالى إلا إبليس أَبَى أن يسجُدَ له حَسَداً واستكباراً. واختلفوا في إبليس , هل كان من الملائكة أم لا؟ على قولين: أحدهما: أنه كان من الملائكة , وهذا قول ابن عباس , وابن مسعود , وابن المسيب , وابن جريج , لأنه استثناء منهم , فَدَلَّ على دخوله منهم. والثاني: أنه ليس من الملائكة , وإنما هو أبو الجن , كما أن آدم أبو الإنس , وهذا قول الحسن وقتادة وابن زيد , ولا يمتنع جواز الاستثناء من غير جنسه , كما قال تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَاّ اتَّبَاعَ الظَّنِّ} النساء: ١٥٧ وهذا استثناء منقطع. واختُلِفَ في تَسْمِيتِهِ بإبليس على قولين: أحدهما: أنه اسم أعجمي وليس بمشتقٍّ. والثاني: أنه اسمُ اشتقاق , اشتُقَّ من الإبلاس وهو اليأس من الخَيْرِ , ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} الأنعام: ٤٤ أي آيِسُونَ من الخير , وقال العجَّاجُ:
(يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْماً مُكْرَساً ... قَالَ نَعَمْ أَعْرِفُهُ , وَأَبْلَسَا)
فأمَّا من ذهب إلى أن إبليس كان من الملائكة , فاختلفوا في قوله تعالى: