ومذهب أهل العراق أنه يجوز التزّوج بالأمَة الكِتابية (١). والآية حجة عليهم (٢).
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ}. قال الزجاج: أي: اعملوا على الظاهر في الإيمان فإنكم متعبدون بما ظهر، (والله يتولى السرائر والحقائق) (٣).
وقوله تعالى: {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}. ذكر أهل المعاني الزجاج وابن الأنباري وغيرهما، فيه وجهين:
أحدهما: كلكم بنو آدم وولده، فلا يتداخلنكم شموخ وأنفَة من تزّوج الإماء عند الضرورة، فإنكم تتساوون في أنكم بنو آدم. فعلى هذا قوله: {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} أي: في النسَب (٤).
والثاني: أن المعنى: بعضكم يوالي بعضًا، ويُلابس بعضًا في ظاهر الحكم، من حيث شملكم الإسلام، فاجتمعتم فيه، وصرتم متكافئين متماثلين بجمع الإسلام لكم، واستوائكم في حكمه. قال الراعي:
فقُلت ما أنا مِمَّن لا يواصِلُني ... ولا ثَوائِي إلا ريثَ أَحْتَمِلَ (٥)
أي: لا ألابس من لا يواصلني ولا أواليه. والمعنى: دينكم واحد فأنتم متساوون في هذه الجهة، فمتى وقع لأحدكم الضرورة جاز له تزّوج الأمَة (٦).
(١) انظر: الطبري ٥/ ١٨، والقرطبي ٥/ ١٤٠.
(٢) انظر: الطبري ٥/ ١٨ - ١٩.
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٤٠، وما بين القوسين زيادة على ما فيه.
(٤) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٤١، "زاد المسير" ٢/ ٧٥.
(٥) "ديوانه" ص ١٩٧، "أساس البلاغة" ص ١٨٦ (ريث)، وقافيته في الأساس: أرتحل. ومعنى يواصلني: يوافقنى.
(٦) انظر: "معانى الزجاج" ٢/ ٤١