يدل على هذا قوله: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} مريم: ٢٦ أي: إني صائمة فلا أكلم اليوم أحدا، وكان قد أذن لها أن تتكلم بهذا القدر، ثم تسكت ولا تتكلم بشيء آخر.
قال ابن مسعود: ووهب أمرت بالصمت لأنها لم تكن لها حجة عند الناس فِي شأن ولدها، فأمرت بالكف عن الكلام ليكفيها الكلام ولدها بما يبرئ ساحتها.
{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا {٢٧} يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا {٢٨} فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا {٢٩} قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا {٣٠} وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا {٣١} وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا {٣٢} وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا {٣٣} } مريم: ٢٧-٣٣ قوله: {فَأَتَتْ بِهِ} مريم: ٢٧ يعني بعيسى، {قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} مريم: ٢٧ قال الكلبي: إنها ولدت حيث لم يشعر بها قومها، ومكثت أربعين يوما حتى طهرت من نفاسها، ثم حملت عيسى إلى قومها، فلما دخلت عليهم بكوا وخافوا، وكانوا أهل بيت صالحين، فقالوا: {يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} مريم: ٢٧ عظيما منكرا، لا يعرف منك ولا من أهل بيتك، والفري الأمر العظيم.
{يَا أُخْتَ هَارُونَ} مريم: ٢٨ قال ابن عباس، وقتادة: هارون رجل صالح من بني إسرائيل، ينسب إليه من عرف بالصلاح، والمعنى: يا شبيهته فِي العفة، وعلى هذا يدل حديث المغيرة بن شعبة، وهو ما:
٥٩٠ - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُوَيْهِ، أَخْبَرَنَا وَالِدِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحَمْنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، نا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، أنا أَبِي، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ، فَقَالُوا: أَلَسْتُمْ تَقْرَءُونَ: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا كَانَ بَيْنَ مُوسَى وَعِيسَى، فَلَمْ أَدْرِ مَا أُجِيبُهُمْ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: أَلا أَخْبَرْتُهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الأَشَجِّ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ هَارُونُ أَخَا مَرْيَمَ مِنْ أَبِيهَا، لَيْسَ مِنْ أُمِّهَا، وَكَانَ أَمْثَلَ رَجُلٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: عَنَوْا هَارُونَ أَخَا مُوسَى، وَنُسِبَتْ مَرْيَمُ إِلَى أَنَّهَا أُخْتُهُ؛ لأَنَّهَا مِنْ وَلَدِهِ كَمَا يُقَالُ لِلتَّمِيمِيِّ: يَا أَخَا تَمِيمٍ
وقوله: {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ} مريم: ٢٨ قال ابن عباس: يريد زانيا.
{وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} مريم: ٢٨ زانية، أي: لم يكونا زانيين، فمن أين لك هذا الولد.
{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} مريم: ٢٩ أي: إلى عيسى وهو يرضع بأن كلموه، فتعجبوا من ذلك، {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} مريم: ٢٩ فِي الحجر رضيعا، قال أبو عبيدة: كان ههنا حشو زائد.
والمعنى: كيف نكلم صبيا فِي المهد.
وبهذا قال كثير من أهل التفسير، وقال الزجاج: الأجوز أن