الهاء وضم التاء مهموزا وغير مهموز - من قولك هيت أي هيْئة كقولك:
أجيء جيئة، والمعنى تهيأت لك، واللام متعلق بالفعل، وعلى الوجه الأول
تبيين للمدعو.
الغريب: الزجاج: تقدم لنفسك، أي لك في التقدم حظ.
قوله: (إِنَّهُ رَبِّي) أي زوجك ربي أحسن تربيتي (١) .
الغريب: إن الله ربي، والأول أظهر لقوله لها فيه: (أكرمي مثواه) .
قوله: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا) .
ابن عباس: استلقت على قفاها وحل هو هِمْيانه، أي سراويله.
الحسن: أما همها فكان أخبثَ هم، وأما همه فما طبع عليه الرجال من
شهوة النساء، ولم يكن منه عزم على الزنا.
الغريب: هم بضربها والفرار منها.
العجيب: (وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)
جواب {لَوْلاَ} ههنا مقدم، وهو كما يقال: قد كنت من الهالكين لولا أن فلاناً خلصك (٢)
وهذا حسن في المعنى، لكن جواب لولا لا يتقدم عليه، والوجه عند المحققين: إن الكلام
تم على قوله: (وَهَمَّ بِهَا) ثم استأنف، فقال: لولا أن رأى برهان ربه
لأمضى ما هم به، ومثله في القرآن: (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا) ، واختلفوا في البرهان، ابن عباس: رأى صورة يعقوب عاضًّا على
يده، وقيل: نودي يا يوسف أنت مكتوب في الأنبياء وتعمل عمل
السفهاء. وقيل: رأى جبريل، وقيل: رأى العزيز، وقيل: رأى كفًّا بلا
معصم يمنعه من المواقعة.
(١) هذا قول بعيد جدا والراجح ـ والله أعلم ـ أن الضمير فى قوله تعالى " إنه ربى " يعود على الله تعالى وذلك لوجوه:
منها: قوله تعالى قبلها مباشرة {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} والضمير يعود على أقرب مذكور
ومنها: كيف يليق بيوسف ـ عليه السلام ـ أن يذكر إحسان العزيز إليه وينسى إحسان الله تعالى، ومن ألقى محبته فى قلب العزيز إلا الله
ومنها: كيف يقتصر فى امتناعه عن الفاحشة إكرام العزيز له، وأين خوفه من الله، وأين منصب النبوة، وأين مكانة العصمة؟؟!!!
ومنها: قوله تعالى فى عجز الآية الكريمة {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} ولو كان الضمير يعود إلى العزيز لقال عليه السلام: إنه لا يفلح الخائنون.
ومنها: قوله تعالى بعد ذلك {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}
ومنها: قوله تعالى {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤) }
ومنها: أنه عليه السلام خاطب من معه فى السجن بقوله {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} وقال لرسول الملك {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} وعندما تكلم عن نفسه أثنى على الله تعالى بما هو أهله فقال {إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}
ومنها: أن الله تعالى قال {وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} ولم يقل: وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَما لأن يوسف ـ عليه السلام ـ ليس له إلا سيد واحد هو الله.
ومنها: قوله تعالى {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١) }
فلم ينسب الفضل إلا لخالقه جل وعز. وانظر الحاوي في تفسير القرآن الكريم" لعبد الرحمن القماش "سورة يوسف آية: (٢٣) . والله أعلم.
(١) ما بين المعقوفتين زيادة ضرورية اقتضاها الكلام وهي من تفسير الفخر الرازي ج ١٨ / ص ٩٤. وما بعدها، والعجب كل العجب من محقق الكتاب - غفر الله لنا وله - كيف مرَّ عليه هذا الكلام دون تعليق منه.
وهذه بقية كلام الإمام فخر الدين الرازي:
" {لَوْلاَ} ههنا مقدم، وهو كما يقال: قد كنت من الهالكين لولا أن فلاناً خلصك، وطعن الزجاج في هذا الجواب من وجهين: الأول: أن تقديم جواب {لَوْلاَ} شاذ وغير موجود في الكلام الفصيح.
الثاني: أن {لَوْلاَ} يجاب جوابها باللام، فلو كان الأمر على ما ذكرتم لقال: ولقد همت ولهم بها لولا.
وذكر غير الزجاج سؤالاً ثالثاً وهو أنه لو لم يوجد الهم لما كان لقوله: {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ} فائدة.
واعلم أن ما ذكره الزجاج بعيد، لأنا نسلم أن تأخير جواب {لَوْلاَ} حسن جائز، إلا أن جوازه لا يمنع من جواز تقديم هذا الجواب، وكيف ونقل عن سيبويه أنه قال: إنهم يقدمون الأهم فالأهم، والذي هم بشأنه أعنى فكان الأمر في جواز التقديم والتأخير مربوطاً بشدة الاهتمام.
وأما تعيين بعض الألفاظ بالمنع فذلك مما لا يليق بالحكمة، وأيضاً ذكر جواب {لَوْلاَ} باللام جائز.
أما هذا لا يدل على أن ذكره بغير اللام لا يجوز، ثم إنا نذكر آية أخرى تدل على فساد قول الزجاج في هذين السؤالين، وهو قوله تعالى: {إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا} القصص: ١٠ .
وأما السؤال الثالث: وهو أنه لو لم يوجد الهم لم يبق لقوله: {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ} فائدة.
فنقول: بل فيه أعظم الفوائد، وهو بيان أن ترك الهم بها ما كان لعدم رغبته في النساء، وعدم قدرته عليهن بل لأجل أن دلائل دين الله منعته عن ذلك العمل، ثم نقول: إن الذي يدل على أن جواب {لَوْلاَ} ما ذكرناه أن {لَوْلاَ} تستدعي جواباً، وهذا المذكور يصلح جواباً له، فوجب الحكم بكونه جواباً له لا يقال إنا نضمر له جواباً، وترك الجواب كثير في القرآن، لأنا نقول: لا نزاع أنه كثير في القرآن، إلا أن الأصل أن لا يكون محذوفاً.
وأيضاً فالجواب إنما يحسن تركه وحذفه إذا حصل في اللفظ ما يدل على تعينه، وههنا بتقدير أن يكون الجواب محذوفاً فليس في اللفظ ما يدل على تعين ذلك الجواب، فإن ههنا أنواعاً من الإضمارات يحسن إضمار كل واحد منها، وليس إضمار بعضها أولى من إضمار الباقي فظهر الفرق.
والله أعلم.
المقام الثاني: في الكلام على هذه الآية أن نقول: سلمنا أن الهم قد حصل إلا أنا نقول: إن قوله: {وَهَمَّ بِهَا} لا يمكن حمله على ظاهره لأن تعليق الهم بذات المرأة محال لأن الهم من جنس القصد والقصد لا يتعلق بالذوات الباقية، فثبت أنه لا بد من إضمار فعل مخصوص يجعل متعلق ذلك الهم وذلك الفعل غير مذكور فهم زعموا أن ذلك المضمر هو إيقاع الفاحشة بها ونحن نضمر شيئاً آخر يغاير ما ذكروه وبيانه من وجوه: الأول: المراد أنه عليه السلام هم بدفعها عن نفسه ومنعها عن ذلك القبيح لأن الهم هو القصد، فوجب أن يحمل في حق كل أحد على القصد الذي يليق به، فاللائق بالمرأة القصد إلى تحصيل اللذة والتنعيم والتمتع واللائق بالرسول المبعوث إلى الخلق القصد إلى زجر العاصي عن معصيته وإلى الأمر بالمعروف النهي عن المنكر، يقال: هممت بفلان أي بضربه ودفعه.
فإن قالوا: فعلى هذا التقدير لا يبقى لقوله: {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ} فائدة.
قلنا: بل فيه أعظم الفوائد وبيانه من وجهين: الأول: أنه تعالى أعلم يوسف عليه السلام أنه لو هم بدفعها لقتلته أو لكانت تأمر الحاضرين بقتله، فأعلمه الله تعالى أن الامتناع من ضربها أولى صوناً للنفس عن الهلاك، والثاني: أنه عليه السلام لو اشتغل بدفعها عن نفسه فربما تعلقت به، فكان يتمزق ثوبه من قدام، وكان في علم الله تعالى أن الشاهد يشهد بأن ثوبه لو تمزق من قدام لكان يوسف هو الخائن، ولو كان ثوبه ممزقاً من خلف لكانت المرأة هي الخائنة، فالله تعالى أعلمه بهذا المعنى، فلا جرم لم يشتغل بدفعها عن نفسه بل ولى هارباً عنها، حتى صارت شهادة الشاهد حجة له على براءته عن المعصية.
الوجه الثاني: في الجواب أن يفسر الهم بالشهوة، وهذا مستعمل في اللغة الشائعة.
يقول القائل: فيما لا يشتهيه مايهمني هذا، وفيما يشتهيه هذا أهم الأشياء إلي، فسمى الله تعالى شهوة يوسف عليه السلام هماً، فمعنى الآية: ولقد اشتهته واشتهاها لولا أن رأى برهان ربه لدخل ذلك العمل في الوجود.
الثالث: أن يفسر الهم بحديث النفس، وذلك لأن المرأة الفائقة في الحسن والجمال إذا تزينت وتهيأت للرجل الشاب القوي فلا بد وأن يقع هناك بين الحكمة والشهوة الطبيعية وبين النفس والعقل مجاذبات ومنازعات، فتارة تقوى داعية الطبيعة والشهوة وتارة تقوى داعية العقل والحكمة.
فالهم عبارة عن جواذب الطبيعة، ورؤية البرهان عبارة عن جواذب العبودية، ومثال ذلك أن الرجل الصالح الصائم في الصيف الصائف، إذا رأى الجلاب المبرد بالثلج فإن طبيعته تحمله على شربه، إلا أن دينه وهداه يمنعه منه، فهذا لا يدل على حصول الذنب، بل كلما كانت هذه الحالة أشد كانت القوة في القيام بلوازم العبودية أكمل، فقد ظهر بحمد الله تعالى صحة هذا القول الذي ذهبنا إليه ولم يبق في يد الواحدي إلا مجرد التصلف وتعديد أسماء المفسرين، ولو كان قد ذكر في تقرير ذلك القول شبهة لأجبنا عنها إلا أنه ما زاد على الرواية عن بعض المفسرين. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.