ذهب بعض من يقول بالتاسخ إلى: أن القوم كانوا بأعيانهم، فلما
تطاولت مدة التلاشي نسوا فذكروا، وهذا محال من قائله، وقلة معرفة بكلام العرب، فإن الخطاب فيما بينهم بمثل هذا أكثر من أن يحصى، تقول
قتلناكم يوم كذا وهزمناكم في حرب كذا، يعنون الجد الأعلى، والأب
الأبعد، وقيل أيضاً: تقدير الآية، واذكر إذ قلنا لبني إسرائيل في زمان موسى نجيناكم من آل فرعون، فلا يكون على هذا اعتراض، والجواب الأول هو جواب الجمهور.
قوله: (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ)
في هذه السورة بغير واو على البدل، وفي سورة إبراهيم (وَيُذَبِّحُونَ) على العطف، لأن ما في البقرة من كلام الله، ولم يرد تعداد المحن عليهم، وما في إبراهيم حكاية كلام موسى فعدَّد المحن عليهم، وكان مأمورا بذلك في قوله في إبراهيم: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ) .
وفي قوله: (وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ) ثلاثة أقوال:
أحدها: يستبقونهم أحياء من الحياة، وذلك: أن فرعون رأى في
المنام أن ناراً جاءت من قبل بيت المقدس فأحرقت بيوت مصر ومن فيها من
القبط دون بني إسرائل، فسأل المعبرين عنها، فقالوا: إنه يخرج من هؤلاء
الذين أقبلوا من بيت المقدس - وهم بنو إسرائيل - رجل يكون هلاك القبط
وخراب مصر على يديه، فأمر فرعون بذبح كل غلام يولد لبني إسرائيل.
ونهى عن ذبح الجواري.
الثاني: كانوا يفتشون أحياء النساء عما في بطونهن من الجنين وعما يلدن من الأولاد.
والثالث: يستحيون من الحياء المحمود فلا يتعرضون للخنا صيانة لهن - وعلى هذا الوجه يكون نعمة، وفيه بعد.