{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} في سبب النزول عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها نزلت في الحُطَم (١)، واسمه شريح بن ضُبيعة، أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- من اليمامة إلى المدينة فخلَّف خيله خارج المدينة ودخل وحده على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: إلامَ تدعو الناس؟ فقال: (إلى شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) فقال: حسنٌ، إلَاّ أنَّ لي أمراء لا أقطع أمراً دونهم، ولعلي أسلم وآتي بهم، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه (٢): (يدخل عليَّ رجل يتكلم بلسان شيطان)، ثم خرج من عنده، فلما خرج قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبي غادر، وما الرجل بمسلم)، فمرَّ بسرح المدينة فاستاقه، فطلبوه فعجزوا عنه، فلما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام القضية، سمع تلبية حجاج اليمامة، فقال لأصحابه: (هذا الحطم وأصحابه) وكان قد قلد ما نهب من سرح المدينة وأهداه إلى الكعبة، فلما توجهوا في طلبه أنزل الله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} (٣).
وفي غير هذه الرواية: فمر بسرح المدينة واستاقه وانطلق وهو يرتجز ويقول:
باتوا نياماً وابنُ هندٍ لم يَنَمْ ... بات يقاسيها غلامٌ كالزُّلَمْ
خَدَلَّجُ الساقين خفاق القدم ... قد لفَّها الليلُ بسوَّاقٍ حُطَمْ
ليس براعي إبلٍ ولا غنم ... ولا بجزَّارٍ على ظهر (٤) وَضَمْ
هذا أوَانُ الشَّدِّ فاشتدي زِيَمْ (٥)
وقوله: شعائر الله - على هذا -: ما يحرم في الإحرام، وهو قول ابن عباس (٦).
وقيل: مناسك الحج، وهو أيضاً قول ابن عباس رضي الله عنهما (٧)، وقيل:
(١) قال ابن عاشور في «التحرير والتنوير» ٦/ ٨٣: شريح بن ضُبَيْعَة الملقب بالحُطَم، بوزن زُفَر، والمكنى أيضاً بابن هند، نسبة إلى أمه هند بنت حسان بن عمرو بن مَرْثَد، وكان الحطم هذا من بكر بن وائل من نزلاء اليمامة.
قال القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» ٦/ ٤٣: وأدرك الحطم هذا ردّة اليمامة فقتل مرتدًّا.
(٢) قوله (قال لأصحابه) سقط من (ب).
(٣) هذه رواية الواحدي في «أسباب النزول» (ص ١٨٩) عن ابن عباس دون إسناد.
(٤) في نسخة (ب): لحم وضم.
(٥) الزُّلَم: القدح، والجمع: الأزلام، خَدَلَّج الساقين: عظيمهما، خفاق القدم: عريض صدر القدمين، والوَضَم: كل شيء يوضع عليه اللحم من خشبة ونحوها وقاية له من الأرض، وزِيَمْ: يعني فرساً أو ناقة.
انظر في معاني هذه الكلمات: «الكامل» لأبي العباس المبرد ٢/ ٤٩٨، و «لسان العرب» (زلم - خدلج - وضم). والرواية أخرجها الطبري ٨/ ٣١ عن السدي.
(٦) أخرجه الطبري ٨/ ٢٣، وزاد السيوطي نسبته في «الدر المنثور» ٥/ ١٦٤ إلى ابن أبي حاتم.
(٧) أخرجه الطبري ٨/ ٢٢.