{لَعَنَّاهُمْ} ابن عباس (١) رضي الله عنهما: المراد بهم الذين كانوا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفسر {لَعَنَّاهُمْ} بالجزية، الحسن: لعناهم بالمسخ، أي: أوائلهم، فصاروا قردة وخنازير من قوله: {أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ} النساء: ٤٧، وقيل: {لَعَنَّاهُمْ} أبعدناهم من الرحمة فيكون لهم جميعاً (٢).
{وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} يابسة لا رحمة فيها ولا لين، فاعلة من قسا يقسو، وقَسِيَّة (٣): فعيلة بمعنى فاعلة، وقيل: قسية: رَدِّية، من قولهم: درهم قَسِيّ، أي: زائف ردئ يشوبه غشٌّ، قال (٤):
فما زوّدوني غَيْرَ سَحْقِ عمامةٍ ... وخمس مئىٍ منها قَسِيٌّ وزائفُ
{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} قيل: بالتأويل، فأولوه على مرادهم، وقيل: بتغييرهم لفظ التنزيل.
{وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} أي: تركوا بعض ما أمروا به.
ابن عباس: من اتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- (٥). وقيل: لم ينالوا منه نصيباً حين حرفوه.
{وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى} أي: أبداً تشاهد وتشرف.
{خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} خيانة، كالخاطئة والعافية، وقيل: على فرقة خائنة، وقيل: على خائن، والهاء للمبالغة، كقوله (٦):
حَدّثتَ نفسكَ بالوفاءِ ولم تكنْ ... للغدرِ خائنةً مُغِلَّ الإصبعِ
الدمياطي (٧): خانوه حين هموا بقتله.
{إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} لم يخونوا، ابن عباس رضي الله عنهما: عبد الله بن سلام وأصحابه (٨)، وقيل: الاستثناء من قوله: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} {إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} (٩).
(١) في (ب): ابن عامر.
(٢) أورد هذه الأقوال: الثعلبي في «الكشف والبيان» ٤/ ٣٨، وقال ابن الجوزي في «زاد المسير» ٢/ ٣١٣: (وفي المراد بهذه اللعنة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها التعذيب بالجزية، قاله ابن عباس.
والثاني: التعذيب بالمسخ، قاله الحسن ومقاتل.
والثالث: الإبعاد من الرحمة، قاله عطاء والزجاج).
(٣) قرأ حمزة والكسائي بغير ألف، مشددة الياء على وزن (فَعِيلة)، وقرأ الباقون بألف بوزن (فاعلة).
انظر: «الكشف» لمكي ١/ ٤٠٧ - ٤٠٨.
(٤) نسبه في «اللسان» (سحق): لمُزَرِّد، وهو ابن ضرار أخو الشماخ، أدرك الإسلام وأسلم، وله ترجمة مختصرة في «الاستيعاب» ٤/ ١٤٧٠.
(٥) انظر: «التفسير الكبير» للرازي ١١/ ١٤٨ فقد نقل هذا القول عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(٦) منسوب إلى الكلابي. انظر: «اللسان» خون، و «الشواهد الشعرية في تفسير القرطبي» ٤/ ٩٣، وقد ورد عند الطبري ٨/ ٢٥٤ دون نسبة نقلاً عن أبي عبيدة في «مجاز القرآن» ١/ ١٥٨، مع أن أبا عبيدة نسبه للكلابي.
(٧) هو بكر بن سهل الدمياطي، صاحب تفسير، روى عنه الطحاوي والطبراني وغيرهم، وتوفي سنة (٢٨٩ هـ).
انظر: «طبقات المفسرين» ١/ ١١٧ - ١١٨.
(٨) نقله عن ابن عباس أيضاً: أبو حيان في «البحر» ٣/ ٤٦٢.
(٩) سقط سطر كامل من نسخة (جـ) بسبب انتقال النظر عند قوله تعالى: {إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} التي وردت أولاً، والله أعلم.