{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} أجمعت (١) الفرق الثلاث: اليعقوبية والنسطورية والملكية وقيل: الملكانية - وإن اختلفت (٢) مقالاتهم لعنهم الله - على أن معبودهم: جوهر واحد؛ أقانيم ثلاثة (٣)، والأقانيم: الأب والابن والروح، أي: الحياة، ويسمونها: روح القدس، وأن (٤) الابن لم يزل مولوداً من الأب، ولم يزل الأب والداً للابن، ولم يزل الروح منبثقة بين الأب والابن (٥)، وأجمعوا (٦) على أن المسيح لاهوت وناسوت، أي: إله وإنسان، فلما قالوا المسيح إله، والإله واحد، فقد قالوا الله هو المسيح.
{قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} أي: لا أحد يقدر على مغالبة الله ودفعه.
{إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} وإذا ثبت أنه ممكن إهلاكه؛ فقد ثبت أن المتمكن من الإهلاك هو الله لا هو.
ومعنى يهلك: يميت، وقيل: يعذب.
{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} أي: بين النوعين، قال (٧):
طَرَقَا فتلك هَمَاهِمي أقريهما ... قُلُصاً لواقحَ كالقِسيّ وحُولَا
{يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧)}.
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} ذهب بعض المفسرين إلى أنهم عنوا بهذا القرب أي: قرباً كقرب الولد والعطف، وذهب بعضهم إلى أنهم اعتقدوا ذلك.
قال السدي: قالت اليهود: أوحى الله إلى إسرائيل: إن ولدك بكري من الولد فَأُدْخِلُهم النار، فيكونون فيها أربعين يوماً حتى تطهرهم وتأكل خطاياهم، ثم ينادي منادٍ أن أخرجوا كل مختون من ولد إسرائيل، فَأُخْرِجُهم (٨).
(١) في (ب): (اجتمعت).
(٢) في (أ): (واختلفت).
(٣) في (جـ): (وأقانيم) بزيادة واو.
(٤) في (ب): (لأن).
(٥) في (ب): (بين الابن والأب).
(٦) في (ب): (واجتمعوا).
(٧) هو عبيد بن الحصين، الراعي النميري، شاعر فحل مشهور، من شعراء الإسلام.
انظر: «جمهرة أشعار العرب» ٣/ ٩٢٩.
الهماهم: الهموم، والقلوص: الفَتيّة من الإبل، واللواقح: الحوامل، والحُول: جمع حائل، وهي الناقة التي حُمل عليها فلم تَلْقَح.
انظر: «لسان العرب» (هـ م م)، (ق ل ص)، (ل ق ح)، (ح ول)، وقد ذكر البيت في مادة (هـ م م). والشاهد من إيراد البيت قد بينه ابن جرير ٨/ ٢٦٨ فقال: (قد ذكر السماوات بلفظ الجمع، ولم يقل وما بينهن؛ لأن المعنى: وما بين هذين النوعين من الأشياء، كما قال الراعي .... فقال: طَرَقَا. مخبراً عن شيئين، ثم قال: فتلك هما همي، فرجع إلى معنى الكلام).
(٨) أخرجه الطبري ٨/ ٢٦٩ - ٢٧٠، وعزاه ابن كثير ٥/ ١٣٩ إلى ابن أبي حاتم كذلك.