{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ} أخبرهم، ويحتمل: اتل عليهم القرآن ففيه خبرهما.
{نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ} يعنى: خبرهما. والنبأ: الخبر له خطر. وجل المفسرين على أن ابني آدم كانا لصلبه وهما: قابيل وهابيل. وفي قابيل لغات (١): قابيلُ وقابِلُ وقَابِين وقابِن وقبْنُ وهابِيْل وهَابِلُ وهَابِنُ (٢).
قال الحسن (٣): كانا رجلين في بني إسرائيل، واستدل بالقربان، فقال: لم يكن ذلك إلا لبني إسرائيل، وبقوله: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} (٤).
واستدلَّ الآخرون بقوله: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا} لأنه لم يمتد جهل الناس (٥) بما يفعلون بموتاهم إلى زمان بني إسرائيل.
{بِالْحَقِّ} أي: إخباراً على وجهه المفصل في الحق. والحق: القرآن.
{إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا} وذلك أن حواء كانت تلد في كل بطن اثنين؛ غلام وجارية، فولدت في أول بطن قابيل وأخته إقليما، وقيل: كان ذلك في الجنة قبل أن أُهبطا، وقيل: في الأرض بعد أن أهبطا، ثم مكثت سنين فولدت هابيل وأخته ليوذا، فلما أدركوا، أمر الله آدم عليه السلام (٦) أن يُنكِح قابيل أخت هابيل وهابيل أخت قابيل، فرضي هابيل بذلك ولم يرض قابيل؛ لأن أخته كانت أحسنهما، وقيل: لأنها ولدت معه في الجنة، فقال آدم - عليه السلام -: قربا قرباناً فأيكما يتقبل قربانه زوجتها منه.
وعن محمد بن على بن الحسين بن علي (٧) رضي الله عنهم: أن آدم قال لهابيل وقابيل: إن ربي (٨) عهد إلى إنه يكون من ذريتي من يقرب القربان، فقربا قربانا حتى تقر عيني إذا تقبل قربانكما (٩).
وذكر الثعلبي (١٠): أن معاوية بن عمار قال: سألت الصادق (١١) عن آدم عليه السلام (١٢) أكان يزوج بناته من بنيه؟ فقال: معاذ الله، لو فعل ذلك آدم ما رغب عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا كان دين آدم إلا دين محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولكن لما أدرك قابيل أظهر الله له جنيةً من ولد الجان يقال لها جمانة في صورة أنسية، فأوحى الله إلى آدم أن زوجها من قابيل (١٣)، فلما أدرك هابيل أهبط الله حوراء في صورة أنسية لها رحم،
(١) في (ب): (وفي قابيل ثلاث لغات).
(٢) في (ب) زيادة (هبل) وما ذكره المصنف لعله نقله عن الثعلبي في «الكشف» ٤/ ٤٨.
(٣) في (ب): (الحسن البصري).
(٤) أخرجه ابن جرير ٨/ ٣٢٤، وزاد السيوطي ٥/ ٦١، نسبته إلى عبد بن حميد. وقد ردّ ابن جرير هذا القول ورجح قول الجمهور.
(٥) العبارة في (ب): (لأنه جهل بما يفعلون ... ) إلخ.
(٦) في (ب): (فلما أدركوا أمر الله أن ينكح ... ) إلخ.
(٧) هو أبو جعفر الباقر، أحد أوعية العلم، وأحد أسياد بني هاشم علماً وفضلاً وسنة، توفي سنة (١١٨ هـ) وقيل: أربع، وقيل: خمس، وقيل: عشر.
انظر: «غاية النهاية» لابن الجزري ٢/ ٢٠٢.
(٨) في (ب): (قال لهابيل وقابيل عهد إلي ... ) إلخ.
(٩) أخرجه ابن أبي حاتم ونقله عنه ابن كثير في تفسيره ٥/ ١٦٣.
(١٠) الكشف والبيان ٤/ ٤٩.
والثعلبي هو: أحمد بن محمد بن إبراهيم، أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري، المفسر المشهور، وله عدد من المؤلفات، منها: «عرائس المجالس»، و «الكشف والبيان في تفسير القرآن»، وتوفي سنة (٤٢٧ هـ).
انظر: «غاية النهاية» ١/ ١٠٠، و «ترتيب الأعلام» ١/ ٣١٩.
(١١) الصادق هو: جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العبادين بن الحسين، أبو عبدالله المدني، توفي سنة (١٤٨ هـ).
انظر: «غاية النهاية» ١/ ١٩٦، و «ترتيب الأعلام» ١/ ١٩٤.
(١٢) في (ب): (سألت الصادق رضي الله عنه أكان آدم يزوج بناته من بنيه).
(١٣) في (ب) حصل سقط إلى قول المؤلف: (زوجها من هابيل)، فوردت العبارة هنا: (هابيل) بدلاً من قابيل.