فأوحى الله إلى آدم أن زوجها من هابيل، ففعل ذلك، فقال قابيل: فضلته وآثرته على بهواك، فقال آدم: إن كنت تريد أن تعلم ذلك فقربا قربانا فأيكما تقبل قربانه فهو أولى بالفضل من صاحبه.
قلت: هذه رواية فيها ضعف (١)؛ لأن الإجماع على أن آدم عليه السلام كان يزوج بناته من بنيه، إلا التوأم، ولو لم يفعل لا نقطع النسل (٢) أو بقيت بناته أيامى.
وقال ابن جريح: لم يزل بنوا آدم في نكاح الأخوات حتى مضى أربعة آباء (٣)، ثم نكح ابنة العم وذهب نكاح الأخوات (٤).
{إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا} عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان قابيل صاحب زرع وهابيل صاحب ضرع، فقصد قابيل إلى أردأ قمح عنده، وقيل: قرب سنبلاً من سيئ زرعه، وقصد هابيل إلى حملٍ سمين، وقيل: بقرة (٥).
{فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ} وذلك أنهما وضعا قربانهما على الجبل فدعا آدم فنزلت نار من السماء بيضاء فرفعت قربان هابيل، وقيل: هو الذبح الذي فدى الله سبحانه به ابن إبراهيم، وكان يرتع في الجنة أربعين خريفا، وقيل: ثمانين خريفاً.
قال مجاهد: كانت النار تأكل المردود لا المقبول (٦). وإنما تقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل لأنه لم يخلص النية في قربانه، وقيل: لأنه تقرب بأخس ما عنده، وقيل: لأنه كان مصرًّا على كبيرة لا يتقبل الله معها طاعة.
{قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧)} المخلصين الذين يتقون الشرك والمعاصي، وتقديره: قال: لم تقتلني؟ قال: لأن الله قبل قربانك ولم يقبل قرباني. فأجاب فقال (٧): {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧)}.
(١) وكذلك ضعّف هذه الرواية القرطبي ٦/ ١٣٥. ووردت العبارة في (ب): (قال الشيخ تاج القراء رحمه الله) بدلاً من قلت.
(٢) في (جـ) سقطت كلمة: (النسل).
(٣) في (جـ): أربعة أيام.
(٤) ذكره الماوردي أيضاً في «النكت والعيون» ٢/ ٢٩.
(٥) أثر ابن عباس أخرجه - بنحوه - الطبري ٨/ ٣١٩، ٨/ ٣٢٢.
(٦) قال ابن كثير ٥/ ١٦٦: (هذا خلاف المشهور، ولعله لم يحفظ عنه جيداً). ولم أستطع العثور على هذا= =القول لمجاهد فيما بين يدي من المصادر، وابن كثير عزا لابن جرير رواية عن مجاهد أن قابيل هو الذي تقبل الله تعالى قربانه، ولم أجد ذلك عند ابن جرير، والله أعلم.
(٧) في (ب): (ولم يتقبل قرباني)، وسقط من (أ): (فقال).