والمراد باليد ههنا: اليمين، بدليل قراءة ابن مسعود رضى الله عنه: (والسارقون والسارقات تقطع أيمانهم) (١)، وبدليل الجمع؛ لأن أعضاء الوتر إذا نسبت إلى اثنين جمعت في موضع التثنية، كقوله: {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} التحريم: ٤ لأن الأصل في التثنية الجمع حيث لا يلتبس، وأفرد لها صيغة حيث التبست (٢).
وارتفع السارق والسارقة بالابتداء، والخبر محذوف، أي: في القرآن السارق والسارقة، أي: حكمهما، ثم عطف جملة على جملة فقال: {فَاقْطَعُوا} وكذلك:
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} النور: ٢ وكذلك: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} النساء: ١٦.
وقدم السارق وأخر الزاني لآن السُّرَّقَ (٣) من الرجال أكثر، ولأن ظهور أثر (٤) الزنا فيهن من زوال البكارة والحبل.
وقطعت اليد لأنها آلة السرقة، ولم تقطع آلة الزنا لاستواء الرجل والمرأة في اليد دون آلة الزنا.
{جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} هما منصوبان على المصدر، ودل على فعلهما القطع أو على العرض (٥).
{وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨) فَمَنْ تَابَ} أي: إلى الله، {مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ} أي: سرقته،
{وَأَصْلَحَ} برد المسروق، {فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} يقبل توبته، {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩)}.
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} خطابٌ للنبي -صلى الله عليه وسلم- والمراد به غيره، {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} قدم هنا العذاب على المغفرة بخلاف سائر الآيات: لأن العذاب هنا: القطع، وهو في الدنيا، {وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} في القيامة، {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٠)}.
(١) تناقلت كتب الحديث والتفسير قراءة ابن مسعود هذه، فمثلاً: هي عند سعيد بن منصور في قسم التفسير من السنن (رقم ٧٣٧) وابن جرير ٨/ ٤٠٧ بلفظ: (والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما).
وقال ابن كثير ٥/ ٢٠٨: (وهذه قراءة شاذة، وإن كان الحكم عند جميع العلماء موافقاً لها، لا بها، بل هو مستفادٌ من دليل آخر).
(٢) وينظر في ذلك أيضاً: «الفريد في إعراب القرآن المجيد» للمنتجب الهمداني ٢/ ٣٧.
(٣) في (جـ): (السرقة)، وهذه النسخة موافقة لما في كتاب المؤلف «غرائب التفسير» ١/ ٣٣١.
(٤) في (ب): (ظهور ظهر الزنا)، وفي (جـ): (ظهور أكثر الزنا)، وما أثبته هو الموافق لما في كتاب المؤلف «غرائب التفسير» ١/ ٣٣١.
(٥) يحتمل رسمها في المخطوطات الثلاث: الفرض.
ولعل مراد المؤلف أنهما منصوبان على المصدر بفعلٍ مقدر، أي: جازوهما جزاءً، أو يكون دلَّ عليه (فاقطعوا).
ينظر في ذلك: «معاني القرآن» للزجاج ٢/ ١٧٤، و «الدر المصون» ٤/ ٢٦٤.