وقيل: معناه: إن افتريته فغاية ذلك إن أخدعنكم تتبعوني (١)، وما انتفاعي باتباعكم وأنتم لا تملكون دفع عذاب الله عنِّي.
{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} البِدْع: ما لا سابق له، أي: لست بأول رسولٍ أرسله الله، ولا جئتكم بأمرٍ بديع لم يكن لي إلى مثله سابق (٢).
{وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي} أي: في الدنيا؛ لأنَّ لله في الأنبياء أحكاماً يمتحنهم بها من جهة قومهم من إخراجٍ من البلد، أو قتلٍ، أو تعذيبٍ، أو إنجاء (٣) من هذه المحن، أو أمرٍ بالهجرة (٤)، أو بالمقاتلة مع القوم.
{وَلَا بِكُمْ} من خسفٍ أو مسخٍ أو رجفةٍ أو تغريقٍ أو إهلاكٍ بريحٍ أو قتلٍ أو أخذ جزيةٍ (٥) أو كفرٍ أو إيمانٍ (٦).
{إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} ولم يوح إليَّ في هذا الباب شيء.
{وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩)} اقتصر على ما قصرني الله عليه من الإنذار لكم.
وقيل: لا أدري ما أُؤمر به (٧) ولا ما تُؤمرون به.
وقيل: كان هذا قبل نزول: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} سورة الفتح: (٢)، ثُمَّ نُسِخ به فعلم بعد ذلك ما يُفعل به (٨).
(١) في (ب) " أي: أخدعكم فتتبعوني ".
(٢) انظر: مجاز القرآن (٢/ ٢١٢)، جامع البيان (٢٦/ ٥)، لسان العرب (٨/ ٦) مادة " بَدَعَ ".
(٣) في (ب) " أو إلجاء ".
(٤) في (أ) " أو أمراً بالهجرة ".
(٥) في (أ) " وأخذ جزية ".
(٦) انظر: جامع البيان (٢٦/ ٦)، معاني القرآن؛ للنَّحاس (٦/ ٤٤١)، تفسير السمرقندي (٣/ ٢٧١)، النكت والعيون (٥/ ٢٧٢)، تفسير القرآن العظيم (٤/ ١٦٧).
(٧) " به " ساقطة من (أ) ".
(٨) أخرج الطبراني في المعجم الأوسط (٧/ ٢٦) عن قتادة في قوله: {مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} قال قد علم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك ما يفعل به حين أنزل الله {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١)} الفتح: (١) قال همام فحدثنا عن أنس بن مالك أنَّ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - لما أنزلت عليه هذه الآية قال: " لقد أنزلت عليَّ آية أحبُّ إليَّ من الدنيا جميعاً، فلما تلا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال رجل من القوم هنيئاً لك يا نبي الله قد بَيِّنَ الله لك ما يفعل بك فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} الفتح: (٥) الآية لم يرو هذا الحديث عن همام إلا عبد الله بن محمد بن المغيرة "، وأمَّا القول بالنَّسخ، فقد رواه غير واحدٍ انظر: الناسخ والمنسوخ؛ للسدوسي (ص: ٤٦)، تفسير مقاتل (٣/ ٢٢٠)، جامع البيان (٢٦/ ٧)، الناسخ والمنسوخ؛ للنحاس (ص: ٦٦٤)، النكت والعيون (٥/ ٢٧٢)، تفسير السمعاني (٥/ ١٥١)، تفسير القرآن العظيم (٤/ ١٦٧)
وأنكر هذا أبو جعفر النَّحاس، وقال: " قال أبو جعفر: فمحالٌ أن يكون في هذا ناسخ ولا منسوخ من جهتين: إحداهما: أنَّه خبر.
والآخر: أنَّ من أول السورة إلى هذا الموضع فيه خطاب للمشركين، واحتجاج عليهم وتوبيخ لهم فوجب أن يكون هذا أيضا خطابا للمشركين، كما كان ما قبله وما بعده، ومحال أن يقول - صلى الله عليه وسلم - للمشركين: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة، ولم يزل - صلى الله عليه وسلم - من أول مبعثه إلى وفاته يخبر أنَّ من مات على الكفر مخلد في النار، ومن مات على الإيمان واتبعه وأطاعه فهو في الجنة، فقد رأى - صلى الله عليه وسلم - ما يفعل به وبهم في الآخرة، وليس يجوز أن يقول لهم ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة فيقولوا كيف نتبعك وأنت لا تدري أتصير إلى خفض ودعة أم إلى عذاب وعقاب؟ والصحيح في معنى الآية قول الحسن ". الناسخ والمنسوخ؛ للنحاس (ص ٦٦٥).