{وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ} أي: جميع الأجسام، لأنها إنما تكون رطباً أو يابساً.
{إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩)} في اللوح المحفوظ تطلع عليه الملائكة المقربون، وليعلم العباد أن أعمالهم محصاة للجزاء.
وقيل: الكتاب مجاز عن الحفظ.
وقوله: {إِلَّا فِي كِتَابٍ} مع قوله: {إِلَّا يَعْلَمُهَا} استثناء بعد استثناء، كقول الشاعر (١):
ما بالمدينة دارٌ غيرُ واحدةٍ ... دارُ الخليفةِ إلا دارُ مروانا
وقرئ: (ولا حَبّةٌ) (ولا رطبٌ ولا يابسٌ) بالرفع فيكون ما بعد (إلا) خبر المبتدأ (٢).
{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} أي: ينيمكم.
وخص الليل بالنوم والنهار باليقظة على الأغلب ومجرى العادة.
والتّوفِّي هاهنا: مستعار من الوفاة التي هي الموت، وحسن هذه الاستعارة: لما بين النوم والموت من المناسبة من زوال الإحساس والمعرفة والفكر والتمييز وما يلحقه من استرخاء الأعضاء ويمنعه عن الكسب، ومثله {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} الزمر: ٤٢ فاستعمل الحقيقة والمجاز جميعاً (٣).
والتوفي: قبض الشيء على التمام، وأصله من استيفاء العدد، قال (٤):
إن بني الأَدْرَم ليسوا مِنْ أَحَدْ ... ولا توفتهم قريشٌ في العَدَدْ
{وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} أي: كسبتم.
وقيل: أثمتم، من قوله: {اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} الجاثية: ٢١.
{ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ} ينبِّهكم ويوقظكم.
وضع البعث في مقابلة التوفي (٥).
(١) ينسب للفرزدق، وليس في ديوانه كما ذكر عبدالسلام هارون في «معجم شواهد العربية» (ص ٣٨١).
وورد البيت عند سيبويه ٢/ ٣٤٠ والمبرد في «المقتضب» ٤/ ٤٢٥.
(٢) هي قراءة عبدالله بن أبي إسحاق الحضرمي (ت ١٢٩ هـ)، والحسن وابن السميفع.
انظر: «إعراب القرآن» للنحاس ٢/ ٧١، و «القراءات الشاذة» لابن خالويه (ص ٣٧)، والدر المصون+ للسمين ٤/ ٦٦١.
(٣) في القول بوجود المجاز في القرآن الكريم خلافٌ بين أهل العلم.
انظر: «معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة» للباحث: محمد بن حسين الجيزاني (ص ١١٤ - ١١٩).
(٤) نسب ابن منظور هذا البيت لمنْظُورٍ الوَبْري، ولفظه في «اللسان»:
إن بني الأدرد ليسوا من أحد ... ولا توفَّاهُمْ قريشٌ في العدد
انظر: «لسان العرب» مادة (وفى). وفي نسخة (ب): (إن بني أدرم).
(٥) سقطت كلمة (التوفي) من (جـ).