والمعنى: أنه يفعلُ بالعباد ما هو الصَّلاحُ، فيكون استثناءَ تحقيقٍ لا تعليق.
والثالث: أنَّ اللهَ علم أنه يُميت بعضَ هؤلاء ويُغيب البعضُ، فوقع الاستثناءُ لهذا.
والرابع: أنه لمَّا أدَّب اللهُ نبيَّه عليه - صلى الله عليه وسلم - باستعمال الاستثناء في كلّ ما يُريد أنْ بفعلَه غداً (١)، أجرى هذا على ما أدّبَهُ، ومثله ما رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنَّه دخل البقيعَ (٢)، فقال:
((وإنا بكم لاحقون إن شاء الله)) (٣)، وليس في الموت استثناءٌ (٤).
وقيل: الاستثناءُ من الخوف والأمن.
وقيل: معنى {إِنْ شَاءَ اللَّهُ} بإذنه.
وقيل: الصِّيغةُ صيغةُ استثناء، والمعنى تسبيح (٥)، كما ترد صيغةُ الأمر، وليس بأمرٍ، ويُعرَفُ ذلك بالقرينة.
وقيل: {إِنْ} بمعني (إذْ)، وهو مزيفٌ (٦).
{آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ}
{فَعَلِمَ}: من تأخير ذلك.
{مَا لَمْ تَعْلَمُوا}: وهو ما ذكر من قوله: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ .. } الآية.
وقيل: علم الله أنَّه سيكونُ ذلك في السنة الثانية، ولم تعلموا أنتم، فلذلك وقع في نفوسكم ما وقع.
(١) يعني قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣)} الكهف: ٢٣).
(٢) البَقِيْعُ: هو بقيع الغرقد، وهو مقبرة المدينة بجوار مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -. انظر: معجم ما استعجم (١/ ٢٦٥).
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه (بنحوه) في كتاب الجنائز، باب: ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم (٢٢٥٢)، عن عائشة - رضي الله عنها -.
(٤) انظر: تفسير مقاتل (٣/ ٢٥٣)، معاني القرآن؛ للنَّحَّاس (٦/ ٥١٢)، إعراب القرآن؛ للنَّحاس (٤/ ١٣٤)، النكت والعيون (٥/ ٣٢٠)، تفسير السمعاني (٥/ ٢٠٨)، المحرر الوجيز (٥/ ١٣٩).
(٥) " تسبيحٌ " ساقطة من (أ).
(٦) قال النَّحاس: " وهذا قول لا يُعرَّج عليه، ولا يعرف أحد من النحويين "إن " بمعنى "إذ " وإنما تلك أن فغلط وبينهما فصل في اللغة والأحكام عند الفقهاء والنحويين " إعراب القرآن (٤/ ١٣٦).