ولا يمتنع الجرُّ من العطف على {بِأَكْوَابٍ}، كما لم يمتنع منه الفاكهة واللحم، ويكون الطائفُ بالحور العين مَن اختَصَّ بخدمتهنّ كالخَصِىّ والمجبوب في المعهود. والله أعلم.
جَزَاءً {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)}: جزاءً للسَّابقين على أعمالهم.
{لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا}: في الجنَّة.
{لَغْوًا}: باطلاً.
وقيل: يميناً كاذباً.
وقيل: صِياحاً وصَخَباً وعَبثاً.
{وَلَا تَأْثِيمًا (٢٥)}: أي: لا يقال لهم: أثمتم وأسأتم.
وقيل: لا يأثمونَ إثماً، فيكونُ كقولك: أكلتُ خبزاً ولبناً؛ لأنَّ التأثيمَ لا يسمع.
{إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (٢٦)}: إلاّ قولاً ذا سلامةٍ.
والاستثناء منقطعٌ، أي: لكن قيلاً سلاماً يسمعون.
وقيل: إلا سلامٌ عليكم، من قوله: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ}، يونس: ١٠.
وفي نصب سلام ثلاثة أقوال:
أحدها: أنْ يكونَ صفةً للقِيل، كما ذكرت.
والثَّاني: أن ينتصب بالقول، أي: إلا أنْ يقولوا سلاماً.
والثالث: على المصدر، وتقديره: إلا أنْ يقولوا سلّمك الله سلاماً، كقوله: {أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا}، نوح: ١٧ (١).
وقيل: إلاّ قولاً سارّاً وكلاماً حسناً.
وقيل: إلَاّ قِيلا هنيئاً مريئاً. حكاه الماورديّ (٢).
{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (٢٧)}: التقدير ها هنا: ما لأصحاب اليمين (٣) على التعجيب (٤) ممَّا لهم.
وفي سبب النزول: قال أبو العالية والضحاك: نظر المسلمون إلى وَجٍّ، وهو وادٍ مُخصبٍ بالطائف، فأعجبهم سِدرُه، وقالوا: يا ليتَ لنا مثلُ هذا، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٥).
{فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨)}: السِّدر: شجر النبق، والمخضود: الذي لا شوك له.
وقيل: المخضود الذي قُطع شوكُه.
وقيل: المخضودُ السَّريعُ الانثناء (٦).
{وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩)} قيل: شجر أم غيلان، وله نورٌ، رائحته طيّبة (٧) جدّاً.
وقيل: الموز، وثمره يكون منضوداً بعضُه فوقَ بعضٍ (٨).
وعن علي - رضي الله عنه - أنَّه قُرئ عنده وَطَلْحٍ {مَنْضُودٍ}، فقال: ما بال الطّلح؟! إنَّما هو الطَّلع، فقال القارئ: أفلا نحوّلها؟ فقال أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه -: " إن القرآن لا يُهاجَ اليوم ولا يحوَّل (٩) " (١٠).
{وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠)}: دائم لا تنسخه الشمسُ (١١).
(١) انظر: جامع البيان (٢٧/ ١٧٨)، معاني القرآن؛ للزَّجَّاج (٥/ ٨٩)، البحر المحيط (١٠/ ٨١).
(٢) انظر: النُّكت والعيون (٥/ ٤٥٢).
(٣) " اليمين " ساقطة من (ب).
(٤) في (ب) " التعجب ".
(٥) أي: فِي {سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨)} انظر: تفسير الثعلبي (٩/ ٢٠٦)، أسباب النزول؛ للواحدي (ص: ٣٣٢)، تفسير البغوي (٨/ ١١).
(٦) انظر: جامع البيان (٢٧/ ١٧٩)، النُّكت والعيون (٥/ ٤٥٣).
(٧) في (ب) " رائحته طيب ".
(٨) القول الثاني قول الأكثرين من الصحابة والتابعين كعلي وابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري والحسن وعطاء وغيرهم - رضي الله عنهم - انظر: جامع البيان (٢٧/ ١٨١)، النُّكت والعيون (٥/ ٤٥٣)، زاد المسير (٧/ ٣٢٩).
(٩) في (أ) " ولا يُحوَّل ".
(١٠) والمعنى: " أنه رجع إلى ما في المصحف، وعلم أنه هو الصواب وأبطل الذي كان فرط من قوله " انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٧/ ٢٠١)، وانظر: جامع البيان (٢٧/ ١٨٠)، تفسير البغوي (٨/ ١٢).
(١١) انظر: جامع البيان (٢٧/ ١٨٢)، معاني القرآن؛ للزَّجَّاج (٥/ ٨٩).