والحرث: فعلُ العبد، والزرع: فعل الله وحده، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يقولنّ أحدُكم زرعتُ ولكن حرثتُ)) (١).
وقد يسمى الحارث زارعاً على أنَّه فعلَ أسبابَ الزَّرع والإنبات.
{لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا}: هشيماً متكسراً قبل إدراكه وأوانه بآفةٍ تُصيبه.
فَظَلْتُمْ {تَفَكَّهُونَ (٦٥)}: دمتم بعد أنْ صار حُطاماً تعجبون.
وقيل: تندمون.
وقيل: تحزنون.
وأصل التفكّه: التنقل بصنوف (٢) الفاكهة، ويستعمل أيضاً في التفكّه بالحديث، ومنه الفُكاهة، وهي المزاح.
والمعنى: فظلتم تتحدّثون (٣) ممَّ كان؟، وما موجبه؟ وأشباه هذا. يقوّيه قولُ من قال: تقديره: {تَفَكَّهُونَ} بقولكم: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}.
وقيل: معنى {تَفَكَّهُونَ}: تتنعمون، فيه تقديم وتأخير، وتقديره: أَمْ {نَحْنُ الزَّارِعُونَ}، {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}: تتنعمون بذلك {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا}.
وفيه بعد؛ لأنَّ ما بعدَه يبقى كلاماً غير مفيد (٤).
(١) أخرجه ابن جرير في جامع البيان (٢٧/ ١٩٨) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وأخرجه الطبراني في الأوسط (٩/ ٥٦٠) برقم (٨٢٥٥) والبيهقي في السنن الكبرى (٦/ ١٣٨) من طريق مسلم الجرمي. في كتاب المزارعة باب: ما يستحب من حفظ المنطق في الزرع. وذكر قبله نحوه من قول مجاهد، ثم قال البيهقي: (وقد روي فيه حديث مرفوع غير قوي)، قال الهيثمي في المَجمع (٤/ ١٢٠): " رواه الطبراني في الأوسط والبزار، وفيه مسلم بن أبى مسلم الجرمى، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات "، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (٦/ ٧١٥)، برقم (٢٨٠١).
(٢) في (أ) " بضروب ".
(٣) في (أ) " يتحدثون ".
(٤) قال ابن جرير: " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى: {فَظَلْتُمْ} فأقمتم تعجبون مما نزل بزرعكم، وأصله من التَّفَكُّه بالحديث، إذا حَدَّث الرجلُ الرجلَ بالحديث يعجب منه ويلهى به، فكذلك ذلك، وكأنَّ معنى الكلام: فأقمتم تتعجبون يعجب بعضكم بعضاً مما نزل بكم " جامع البيان (٢٧/ ١٩٩)، وانظر: إعراب القرآن؛ للنَّحَّاس (٤/ ٢٢٧)، النُّكت والعيون (٥/ ٤٦٠).