والمعنى: أما حان وقتُ الإخلاص، وقد ظهرت المعجزة والآيات.
الزجاج: " نزلت في فريق من المؤمنين اُسْتُعْتِبوا التقصيرَ كان منهم " (١).
وذهب بعضهم إلى أن المؤمنين قالوا: يا رسول الله لو قصصتَ علينا، فأنزل الله تعالى: ... {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}، يوسف: ٣، وقالوا: لو حدّثتنا، فأنزل الله: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا}، الزمر: ٢٣، وقالوا: لو ذكرتنا فأنزل الله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} (٢).
وقيل: " كثُر في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المزاحُ والضحكُ فأنزل الله هذه الآية " (٣).
مقاتل بن حيّان: " نزلت في اليهود " (٤).
الحسن: " نزلت في المؤمنين استبطأهم الله وهم أحبُّ الخلق إليه " (٥).
ابن مسعود - رضي الله عنه -: " ما كان بين أنْ أسلمنا وبين أنْ عُوتبنا بهذه الآية إلاّ أربعُ سنين، فجعل بعضُنا ينظرُ إلى بعضٍ، ويقول: ما أحدثنا؟! " (٦).
ابن عبّاس - رضيَ الله عنهما -: " استبطأ قلوبَ المهاجرين على رأس ثلاثَ عشرةَ سنةً لنزول القرآن" (٧).
قوله: {يَأْنِ}: من أنيَ يأني أنياً وإناً، وآن يئين بمعناه (٨)، وقُرِئَ به في الشَّواذ (٩).
{أَنْ تَخْشَعَ}: تخضعَ وتلينَ.
{لِذِكْرِي اللَّهِ}: القرآن. وقيل: خوف الله.
{وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}: القرآن. وقيل (١٠): الهدى والحلال والحرام.
قُرِئَ بالتشديد، أي: نزّله الله، {ومَا}: بمعنى الذي، ويجوز أنْ يكونَ للمصدر.
وقُرِئَ بالتخفيف (١١)، {ومَا}: بمعنى الذي، وفي {نَزَلَ} ضمير يعود إليه. ولا يجوز أنْ يكونَ للمصدر.
{وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ}: يعني اليهود والنّصارى (١٢).
يجوز أنْ يكونَ عطفاً على {أَنْ}، فيكون نصباً.
ويجوز أنْ يكونَ جزماً على النهي (١٣)، كقراءة يعقوب بالتاء (١٤).
{فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ}: الوقت الممتدّ.
وقيل: الدهر (١٥).
وقيل: أمد الجزاء.
وقيل: ما بينهم وبين نيّتهم (١٦).
وقيل: طال عليهم إنجازُ ما وُعدوا وأُوعدوا فارتابوا (١٧).
{فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ}: شكّوا وركبوا المعاصي، وزال عنهم الخشوعُ واللينُ.
{وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (١٦)}: خارجون عن الإيمان وعن الطاعة، وهم الّّذين بقَوا على قساوة قلوبهم ولم يؤمنوا بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، أي: وقليلٌ منهم مؤمنون.
{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧)}: أي: كما أحيا الأرضَ بعدَ موتها كذلك يحيي الموتى.
وقيل: كما أحيا الأرضَ يُحيي الكافرَ بالإيمان.
وقيل: كما أحيا الأرضَ يُليّن القلوبَ القاسيةَ لتتفكّروا في الآيات (١٨).
{إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ}: قُرِئَ بتشديد الصاد والدال، فهو اسمُ الفاعل، من (تصدّق)، أدغمت التاء في الصاد.
وقُرِئَ بتشديد الدَّال وحده، فهو اسم الفاعل من صدّق تصديقاً (١٩).
والمعنى على الوجه الأول: إن الذين تصدّقوا وأقرضوا.
وعلى الوجه الثاني: إن الذين صدّقوا اللهَ ورسولَه (٢٠).
{وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}: أنفقوا في وجوه الخير قرضاً وتطوّعاً، وجاز عطفُ الفعل على الاسم؛ لأنَّ الأوّلَ فيه معنى الفعل.
{يُضَاعَفُ لَهُمْ}: خبرُ {إِنَّ}، ويجوز أنْ يكونَ {وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} اعتراضاً بين اسم {إِنَّ} وخبره.
(١) انظر: معاني القرآن؛ للزَّجَّاج (٥/ ٩٩).
(٢) أخرجه أبو الليث السمرقندي في تفسيره (٣/ ٣٨٤) عن الخليل بن أحمد، وأورده الثعلبي في تفسيره (٩/ ٢٤٠).
(٣) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (١٠/ ٣٣٣٨)، لباب النقول (ص: ٢٨٨).
(٤) انظر: تفسير الثعلبي (٩/ ٢٤١)، النُّكت والعيون (٥/ ٤٧٧).
(٥) انظر: النُّكت والعيون (٥/ ٤٧٧)، الجامع لأحكام القرآن (١٧/ ٢٤٠).
(٦) انظر: تفسير الثعلبي (٩/ ٢٤٠)، النُّكت والعيون (٥/ ٤٧٧).
(٧) انظر: النُّكت والعيون (٥/ ٤٧٧)، تفسير البغوي (٨/ ٣٧).
(٨) انظر: معاني القرآن؛ للزَّجَّاج (٥/ ٩٩)، المحرر الوجيز (٥/ ٢٦٤).
(٩) أي {يَئِنِ}، وهي قراءة الحسن، انظر: البحر المحيط (١٠/ ١٠٨)، تفسير أبي السُّعود (٦/ ٢٠٥).
(١٠) " وقيل " ساقطة من (ب)، والمناسب ما أُثبت.
(١١) قرأ نافع وحفص والمفضل عن عاصم وَمَا {نَزَلَ} خفيفة، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم {وما نَزَّل} مشددة الزاي مفتوحة النون. انظر: السَّبعة (ص: ٦٢٦)، معاني القراءات (ص: ٤٨١)، الحُجَّة (ص: ٢٧٣).
(١٢) انظر: جامع البيان (٢٧/ ٢٢٨)، تفسير السَّمرقندي (٣/ ٣٨٥).
(١٣) انظر: إعراب القرآن (٤/ ٢٣٩)، التَّسهيل (٤/ ٩٨).
(١٤) أي: {وَلَا تَكُونُوا}. انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٧/ ٢٤٠)، البحر المحيط (١٠/ ١٠٨).
(١٥) في (ب) " الدهن ".
(١٦) في تفسير الثعلبي " أنبيائهم " (٩/ ٢٤٠).
(١٧) انظر: تفسير الثعلبي (٩/ ٢٤٠)، الجامع لأحكام القرآن (١٧/ ٢٤٠).
(١٨) انظر: النُّكت والعيون (٥/ ٤٧٨)، الجامع لأحكام القرآن (١٧/ ٢٤٢).
(١٩) قرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبى بكر {إنَّ المُصَدقين والمصَدِقات} بتخفيف الصاد فيهما، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} مُشددة الصاد فيهما. انظر: السَّبعة (ص: ٦٢٦)، معاني القراءات (ص: ٤٨١)، الحُجَّة (٦/ ٢٧٤).
(٢٠) انظر: معاني القراءات (ص: ٤٨١)، الحُجَّة (٦/ ٢٧٤).