وقيل: كان هذا أول الحشر من المدينة، والحشر الثَّاني من خيبرَ وجميعِ جزيرة العرب إلى أَذْرِعات (١) وأريحا (٢) من الشام في أيام عمرَ - رضي الله عنه - فتح على (٣) يديه (٤)، وذلك أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال في مرضه: ((لا يكونَنَّ في جزيرة العرب دينان)) (٥).
وقال يمان (٦): إنما قال: {أَوَّلِ الْحَشْرِ}؛ لأنَّ الله فتح على نبيه أوَّل ما قاتلهم. حكاه الثعلبي (٧).
ابن بحر: "الحشر والإخراج واحدٌ، لكنّ الحشرَ لا يقال إلاّ في الكثير " (٨) (٩).
{مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا}: لعزَّتهم ومنعَتهم.
{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ}: أي: يمنعهم.
{حُصُونُهُمْ}: وارتفاعها بكونها فاعلةً، لا بالابتداء.
{مِنَ اللَّهِ}: من أمره وقضائه، ويحتمل من رسول الله.
{فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}: أتاهم أمره وعقابه (١٠).
{وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}: بقتل كعب بن الأشرف (١١)، وقال النبي (١٢) - صلى الله عليه وسلم -: ... ((نُصرت بالرعب مسيرةَ شهرٍ)) (١٣) (١٤).
{يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ}: كانوا ينقضون الدُّورَ المبنيةَ بالآجرِّ ليرموا المؤمنين بالحجارة.
الزَّجَّاج: " يخربون ليسدّوا أبوابَ أَزِقَّتِهم " (١٥).
وقيل: كان يعجبهم البابُ أو الخشبةُ فيقلعونها ليحملوها معهم. وقد سبق.
{وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ}: وكان المؤمنون يخرّبونها ليتّسع لهم موضعُ القتال، وأضاف التخريب بالأيدي (١٦)؛ لأنَّهم مكنوهم منه (١٧) وتسببوا له.
(١) أَذْرِعات: بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقاء وعَمَّان. انظر: معجم البلدان (١/ ١٣٠).
(٢) أَرِيْحَا: وهي مدينة الجبارين في الغور من أرض الأردن بالشام ببلاد فلسطين، وقيل سُمِّيت فيما قيل بأريحا ابن مالك بن أرفخشد بن سام بن نوح - عليه السلام -. انظر: معجم البلدان (١/ ١٦٥).
(٣) " فتح " ساقطة من (ب) وفي (ب) " وعلى يديه ".
(٤) وهو قول مرة الهمداني وغيره. تفسير الثعلبي (٩/ ٢٦٨)، زاد المسير (٨/ ١٨).
(٥) أخرجه الإمام أحمد (بنحوه) في مسند عائشة - رضي الله عنها - (٦/ ٢٧٤) والطبراني في الأوسط (٣/ ٧٧) برقم (١١١٦)، وقال الهيثمي: " رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحق وقد صرح بالسماع " المَجمع: (٥/ ٣٢٥) وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: ... ": صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل ابن إسحاق ".
(٦) يمان بن رئاب أو رباب، تفاوت كتب التفسير في تسميته، خراساني، قال الدارقطني: " ضعيف من الخوارج ". انظر: ميزان الاعتدال؛ للذهبي (٤/ ٤٦٠).
(٧) انظر: تفسير الثعلبي (٩/ ٢٦٩).
(٨) في (ب) " الكبير ".
(٩) لم أقف عليه.
(١٠) انظر: جامع البيان (٢٨/ ٢٩)، تفسير السَّمعاني (٥/ ٣٩٦).
(١١) كعب بن الأشرف الطائي، من بني نبهان، أمه من بني النضير، وكان سيداً في أخواله، يقيم في حصن له قريب من المدينة، لما كانت وقعة بدر كُبت وذل، فخرج إلى مكة فبكى قتلى قريش وحرضهم بالشعر، وكان يهجو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويحرض عليه الكفار، ويُشَبِّبُ في أشعاره بنساء الصحابة. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من لي بابن الأشرف فقد آذاني)). فاجتمع له خمسة من الأنصار، فقتلوه في ظاهر حصنه، وحملوا رأسه إلى المدينة، وهم: محمد بن مَسْلمة، وعبَّاد بن بِشر وأبو نائلة واسمه سِلْكان بن سلامة، وهو أخو كعب من الرَّضاع، والحارث بن أوس وأبو عبْس بن جبر، وذلك لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول بعد خمس وعشرين شهراً من الهجرة. انظر: السيرة النبوية؛ لابن كثير (٣/ ١١)، زاد المعاد (٣/ ١٩١)، الأعلام (٥/ ٢٢٥).
(١٢) " النبي " ساقطة من (أ).
(١٣) تقدم تخريجه (٥٣٢).
(١٤) انظر: النُّكت والعيون (٥/ ٤٩٩)، زاد المسير (٨/ ١٩).
(١٥) انظر: معاني القرآن؛ للزَّجَّاج (٥/ ١١٥).
(١٦) في (ب) " إليهم ".
(١٧) " منه" ساقطة من (أ).