{قَالَ أَوْسَطُهُمْ} أعدلهم، وخيرهم، وأفضلهم، وأعقلهم، كلُّها أقوالٌ (١).
{أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (٢٨)} لولا تستثنون عند قولكم: {لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ}.
والاستثناء تسبيحٌ؛ لأنَّه تنزيه الله، والإقرار بأنَّه لا يقدر أحدٌ أن يفعل فعلاً إلا بمشيئة الله؛ ولأنَّ التسبيح ذكر الله، وهو موجود في الاستثناء.
وقيل: لولا تذكرون نعم الله عليكم، فتؤدُّوا (٢) حقَّ الله من أموالكم (٣).
{قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (٣٠)} أي يحيل بعضهم باللائمة على بعضٍ، ثُمَّ أقروا جميعاً أنَّهم تجاوزوا ما حدَّ الله لهم، وهو قوله: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (٣١)} الويل غلظ المكروه، والشَّاق على النَّفس.
{عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (٣٢)} أي راغبون (٤) في المسألة أن يتوب علينا، وأن يرزقنا خيراً منها.
وقيل معناه: تائبون.
قال المفسرون: تابوا فأبدلهم بها جنة خيراً منها، واسمها الحيوان.
ابن مسعود - رضي الله عنه -: " أبدلهم فيها عنب يحمل البغل منها عنقوداً " (٥).
قال الدِّمياطي (٦): " حدثني من رأى تلك الجنة، وقال: رأيت فيها كل عنقودٍ منها كالرجل الأسود القائم " (٧) (٨).
وذهب بعضهم إلى أنَّ هذا قول الفقراء والمساكين، أي عسى أن يرزقنا خيراً من جنتهم (٩) إنا إلى ربنا راغبون راجون واثقون (١٠).
والجمهور على القول الأول.
{كَذَلِكَ الْعَذَابُ} أي كما ذكرنا يقع العذاب في الدنيا لمن سلك (١١) سبيلهم ... {وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ} لأنَّه دائم لا ينقطع {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣)} لما أقاموا على ما يؤدِّيهم إلى هذا العذاب.
ابن بحر: " أي نعذِّب الهمازين المشَّائين بالنمائم بمثل ما عذَّبنا أصحاب الجنة " (١٢).
{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤)} أي للذين (١٣) يتقون الشرك في الآخرة أي بساتين نعيمها مقيم، لا يبيد ولا يفنى، خلافاً لبساتين الدنيا؛ فإنَّها فانية هالكة صاحبها في عناء من عمارتها، فلا ترغبوا بها عنها، فلمَّا نزلت هذه الآية أو ما بمعناها قال عتبة بن ربيعة وامرأته لئن كان ما يقوله محمد حقَّاً من الثواب في الجنة (١٤) لنكونن أكثر ثواباً
(١) انظر: جامع البيان (٢٩/ ٣٤)، تفسير السمرقنيدي (٣/ ٤٦٢)، النُّكت والعيون (٦/ ٦٨).
(٢) في (ب) " فتردُّوا ".
(٣) انظر: جامع البيان (٢٩/ ٣٥)، معاني القرآن؛ للزَّجَّاج (٥/ ١٦٢)، النُّكت والعيون (٦/ ٦٨).
(٤) " أي راغبون " ساقطة من (أ).
(٥) انظر: تفسير الثعلبي (١٠/ ١٨)، غرائب التفسير (٢/ ١٢٤٠).
(٦) الدِّمياطي، هو: بكر بن سهل بن إسماعيل بن نافع: الإمام، المحدث، أبو محمد الهاشمي، مولاهم الدمياطي، المفسر، المقرئ، وسمع: نعيم بن حماد، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وعبد الله بن صالح، كاتب الليث، وسليمان بن أبي كريمة، وتلا على تلامذة ورش. قال النسائي: "ضعيف"، مات بدمياط في ربيع الأول، سنة تسع وثمانين ومائتين للهجرة. ... انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ: سير أعلام النبلاء (١٣/ ٤٢٥)، غاية النهاية (١/ ١٧٨)، طبقات المفسرين؛ للداوودي (١/ ١١٩).
(٧) انظر: تفسير الثعلبي (١٠/ ١٨)، الجامع لأحكام القرآن (١٨/ ٢٣٥).
(٨) انظر: تفسير الثعلبي (١٠/ ١٨)، زاد المسير (٨/ ١٠١).
(٩) في (أ) " خيراً منها ".
(١٠) انظر: غرائب التفسير (٢/ ١٢٤٠).
(١١) في (ب) " بمن سلك ".
(١٢) لم أقف عليه.
(١٣) في (أ) " أي الذين ".
(١٤) في (ب) " من الثواب والجنة ".