وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} الواسعُ: الجَوَادُ الذي يسعُ عطاياهُ السَّائلين، والواسع: الغنيُّ، والسَّعَة: الغَناء؛ أي: هو غنيٌّ عن عبادةِ العباد، فلا يُؤاخِذُهم بمراعاتها على وجهٍ واحدٍ، جوادٌ يتقبَّلُ منهم عمَلهم إذا أرادوا به رضاهُ، ومُوسِّعُ الأمور على المؤمنين بفضلِه.
{عَلِيمٌ} بعجزِهم وضعفِهم.
وقيل: {عَلِيمٌ} بما قَصدوا ونووا.
وقيل: وهو -على قولِ ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما الذي ذكرناه؛ أنَّه ردٌّ على اليهود في إنكارِهم نقلَ القِبلة إلى الكعبة- أنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ واسعٌ؛ أي: غنيٌّ، لم يَنقلْكم إلى الكعبةِ حاجةً إلى عبادتِكم، ولا ازديادًا في ملكه؛ بل لأنَّه عليمٌ بمصالِحكم فيتعبَّدُكم بما هو أصلحُ لكم.
وعلى هذا القولِ يكونُ معنى قوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}؛ أي: من حيث توجَّهتُم إلى مكَّةَ فهناكَ قبلةُ اللَّه؛ أي: توجَّهوا إليها دونَ غيرِها، فإنَّه ممكنٌ لكم حيث كنتُم بالاستدلال.
وقيل: نزلت في النَّجاشيِّ حيث أَسلمَ، وتوجَّهَ إلى المدينة، فمات في الطَّريق، فأخبرَ جبرئيلُ رسولَ اللَّه عليه الصَّلاة والسَّلام به، فصلَّى على النَّجاشيِّ مع أصحابِه، فقالوا: كيف نُصلِّي عليه، وإنَّه لم يصلِّ إلى قبلتنا؟! فنزلَت هذه الآية (١).
* * *
(١١٦) - {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}.
(١) روى الطبري في "تفسيره" (٢/ ٤٥٥) نحوه عن قتادة مرسلًا، وذكره الواحدي في "أسباب النزول".