وقوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} أي: قالت اليهود: عزيرٌ ابن اللَّه، وقالت النَّصارى: المسيحُ ابنُ اللَّه، وقال بنو مليح مِن مشركي العرب: الملائكة بنات اللَّه.
وقوله تعالى: {سُبْحَانَهُ} نزَّهَ نفسَه عزَّ وجلَّ عن ذلك، والتَّسبيحُ: التَّنزيه.
وقيل: هو على الأمر بلفظة المصدر؛ أي: نَزِّهُوه عن ذلك.
وقوله تعالى: {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؛ أي: فكلُّ ذلك مملوكٌ له مربوب، فكيف يكونُ عزيرٌ أو عيسى أو الملائكةُ ولدًا له، وكلٌّ منهم عبدٌ له مربوبٌ مخلوق؟ والولَدُ لا يكون إلَّا مِن جنس الوالد، ولا يكون الصُّنع مِن جنسِ الصَّانع.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: اتِّخاذُ الولد لا يكون إلَّا لأحد وجوهٍ أربعة (١):
إمَّا لشهواتٍ (٢) تغلبُه، فيقضيها به.
وإمَّا لوَحْشَةٍ تأخذُه (٣)، فيَحتاجُ إلى مَن يَستأنِسُ به.
أو لدفعِ عدوٍّ يقهرُه، فيَحتاجُ إلى مَن يَستنصِرُه ويَستغيثُ به (٤).
أو لخوف (٥) حِدْثان الدَّهرِ والموت؛ ليرثَ ملكَه، ويَقومَ مقامَه، واللَّهُ تعالى مُتعالٍ عن هذه العِلَل كلِّها.
وأمَّا اتِّخاذُ الحبيبِ والخليلِ فإنَّه جائزٌ مِن اللَّه جلَّ وعلا؛ لأنَّ المحبَّةَ تقعُ على غير جوهر المحَبّ، وأمَّا الولدُ فلا يكون إلَّا مِن جنسِه وجوهرِه، واعتَبِرهُ بمحبَّةِ الإنسانِ أشياء سوى البشر.
(١) ذكر أبو منصور الماتريدي في "تأويلات أهل السنة" ثلاثة وجوه.
(٢) في (أ): "لشهوة".
(٣) في (ف): "تغلبه".
(٤) "تأويلات أهل السنة" (١/ ٥٤٦).
(٥) في (ف): "خوف".