وقوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ} أي: في الدِّين والقِبلة، وإنَّما جمع الأهواء، ولم يقل: هواهم؛ لأنَّ فِرقَ الخلاف لم يكونوا على هوًى واحدٍ، بل لكلِّ فرقةٍ هوى، فأخبرَ أنَّه لا يُرضِي الكُلَّ إلَّا باتِّباع أهواءِ الكلِّ.
ثمَّ قيل: هذا خطابٌ للنَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ظاهرًا، والمرادُ (١) أمَّتُه، وهو معهودٌ أن يُخاطَب رأسُ القوم بما يَلزمُ القومَ.
وقيل: هذا الخطابُ ليس للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، بل معناه: أيُّها المتَّبع رضاهُم إنْ اتَّبعت أهواءَهم.
والصَّحيح أنَّه خطابٌ للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنَّ ما قبلَه وما بعده خطاب له.
فإن قيل: كيف نهى رسولَه عنِ اتِّباع ملَّتهم على علمٍ منه أنَّه لا يَتَّبع؟ هذا سؤالُ الإمام أبي منصور رحمه اللَّه، فأجاب عنه فقال:
إنَّ العصمةَ لا تُزيلُ المحنةَ ولا تَدْفعُها، بل المحنةُ إنَّما تَقعُ في العصمة لوجهين:
أحدهما: أنَّ عِصْمَتَه لما مضى لا توجب عصمتَه في الحادث.
والثاني: أنَّ أحقَّ مَن يُنهى عن الأشياء مَن أُكرِمَ بالعصمة؛ إذ على زوالِ النَّهي عنه تَرتفعُ عنه جهةُ العصمة؛ لأنَّه يصيرُ برفع النَّهي عنه (٢) مباحًا، وفي إزالةِ الأمر والنَّهي إزالةُ فائدةِ العصمة؛ لأنَّ العصمةَ هي أن يُعصَمَ في الأمر حتَّى يؤدِّيَه، وفي النَّهي حتَّى ينتهي عنه (٣).
(١) بعدها في (أ): "به".
(٢) لفظ: "عنه" ليس في (أ).
(٣) انظر "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (١/ ٥٥٢).