بمعنى التَّوبيخ على وجهِ النَّفي، وموضعُه رفعٌ بالابتداء، ومعناه: ولا يرغب عن دين إبراهيمَ إلَّا السفيه؛ أي: ولا يكرهُها، يقال: رَغِبَ في الشَّيء رغبةً، إذا (١) أحبَّه وأرادَه، ورغبَ عنه؛ أي: كرهَه وصدُّه، زهدَ في الشيء؛ أي: كرهَهُ وأباه، وزهدَ عنه: أرادهُ وأحبَّه، والمِلَّة: الدِّين والطريقةُ.
وقوله: {سَفِهَ} (٢) يسفه (٣)، السَّفهُ والسَّفاهةُ: الجهلُ وخِفَّة العقل.
قال يونس (٤): {سَفِهَ} لازمٌ، وهو لغةٌ في المتعدِّي، فمعناه: سَفَّهَ نفسَه؛ أي: جعلها سفيهة، وعلى هذا قيل: معناه: أهلكَ نفسَه.
وقيل: هو نصبٌ على التفسير؛ كقولك: طاب نفسًا، وقرَّ عينًا، وضاق ذرعًا.
قلت: وأكثرُ الاستعمال في النَّكرات، وفي المعارف جائزٌ؛ لأنَّ أصل الفعل لها، ثمَّ يُنقَلُ إلى غيرها، ثمَّ يُذكَرُ الفاعلُ نصبًا؛ ليُعلَمَ أنَّ الفعلَ لها، يقال: وَجِعَ زيدٌ رأسَه، وآلمَ عمروٌ بطنَه.
وقيل: معناه: سَفِهَ في نفسه؛ كما في قوله: {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} القصص: ٥٨؛ أي: في معيشتها، وحَذْفُ حرف الجرِّ جائزٌ، قال تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ} البقرة: ٢٣٣؛ أي: لأولادكم، وقال تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ
(١) في (أ): "أي".
(٢) بعدها في (ف): "من سفه".
(٣) في (أ): "نفسه" بدل: "يسفه".
(٤) هو إمام النحو، أبو عبد الرحمن الضبي مولاهم، البصري، أخذ عن أبي عمرو بن العلاء وحماد بن سلمة، وأخذ عنه الكسائي وسيبويه والفراء، وله تواليف في القرآن واللغات، توفي سنة (١٨٣ هـ). انظر: "سير أعلام النبلاء" (٨/ ١٩١ - ١٩٢). وانظر قوله في "معاني القرآن" للزجاج (١/ ٢١٠).