قال: ثمَّ فيه إثباتُ رسالةِ محمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-، حيث كان أخبرَهُ على ما أخبر، وكان كذلك، فدلَّ أنَّه عَلِمَ ذلك باللَّه.
قال: ثمَّ إنَّ اليهودَ قالوا ذلك؛ لأنَّهم لا يَرون نسخَ الشَّرائعِ والأحكام، ويقولون: هذا (١) كالبَداء والرُّجوع، وذلك فعلُ مَنْ يَجهلُ عواقبَ الأمور، كبانٍ بنى بناءً ثمَّ نقضَهُ.
وهذا جهلٌ مِن اليهود، والنَّسخُ عندنا هو بيانُ مُنتَهى الحكمِ إلى وقتٍ، وليس فيه بَداءٌ، ولا نقض لما مَضى، بل تجديدُ حكمٍ في وقتٍ بعد انقضاءِ حكم (٢).
وقوله تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} أي: قل يا محمَّدُ، للَّه الأمكنةُ والنواحي كلُّها (٣)؛ يأمرُ عبادَه أنْ يتوجَّهوا إلى أيِّ جهةٍ شاءَ، شرقًا أو غربًا، فالطَّاعةُ له في الائتمار بأمرِه، لا في عين التوجُّه نحو المشرقِ أو (٤) المغرب لهوًى هووه، أو لتمنٍ تمنَّوه؛ لأنَّ اليهودَ -لعنهم اللَّه- جعلوا قِبلتَهم المغربَ اتِّباعًا لهواهم، وكذا النَّصارى، اتَّخذوا المشرقَ قبلةً بهوى أنفسِهم، والمسلمون اتَّبعوا الأمرَ في ذلك.
وقوله تعالى: {يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}؛ أي: يُرشِدُ مَن يَشاءُ إلى قبلةِ الحقِّ، وهي الكعبةُ التي أَمَرَ بها، فيتوجَّهون إلى حيث أُمِروا به لا إلى حيث يَهوَون.
وقيل: أي: إلى أيِّ الجهات ولَّاهم فتوجَّهوا إليها، فهم على هُدًى واستقامةٍ؛ لأنَّهم بأمره توجَّهوا إليها.
وقالوا: لمَّا كانوا بمكَّة، أُمِروا أن يتوجَّهوا إلى بيتِ المقدسِ؛ ليَتميَّزوا به مِن
(١) في (أ): "هو".
(٢) انظر "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (١/ ٥٨٢).
(٣) بعدها في (ف): "له".
(٤) في (أ) و (ف): "و".