ودلَّ أنَّ مشيئةَ الهداية (١) ليست للكلِّ، وعندهم هدايتُه (٢) بيانٌ، وذلك للجميع.
ودلَّ على (٣) أنَّ السُّنَّةَ يَنسخُها الكتابُ، فإنَّ الصَّلاةَ إلى بيتِ المقدسِ كانت بالسُّنَّة؛ إذ لا ذكرَ له في الكتاب، ثمَّ نُسِخ ذلك بالكتاب.
وعند الشافعيِّ -رحمه اللَّه- لا تُنسَخُ السُّنَّة بالكتاب إلَّا بعد عملِ الرَّسول به، فيصيرُ نسخُ السُّنَّة بالسُّنَّة. وهذا قبيحٌ، ألَّا يكونَ للكتاب من القوَّة ما يَنسخُ سنَّتَه لولا عملُه (٤).
* * *
(١٤٣) - {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}.
وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}؛ أي: وكما هديناكُم إلى صراطٍ مستقيمٍ، صيَّرناكم أمَّةً وَسَطًا، وهذا وجهُ النَّظمِ.
ووجهٌ آخرُ: كما جعلنا قِبلتكُم خيرَ القِبلتين في الدُّنيا، فكذلك جعلناكُم خيرَ الأممِ في العُقبى.
ووجهٌ آخرُ: إنْ عابَكمُ السُّفهاءُ بما قالوا في الآية الأولى، فإنَّ اللَّهَ تعالى يمدحُكُم في هذه الآية.
(١) في (أ): "الآية".
(٢) في (ف): "هداية".
(٣) لفظ: "على" من (أ).
(٤) انظر "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (١/ ٥٨٣).