وقال المشركون: تحيَّرَ في دينِه. وقال المسلمون: ليتنا نعلمُ حالَ إخواننا الذين ماتوا وهم يُصلُّون نحو بيت المقدس، فنزلَت الآيات (١).
ورُوي أنَّ حييَّ بنَ أخطب وأصحابَهُ قالوا للمسلمين: أخبرونا عن صلاتِكم نحوَ بيت المقدس، أكانت هدًى أم ضلالة؟ فإن كانت هدًى، فقد تحوَّلتُم عنها، وإن كانت ضلالةً، فقد دِنتُمُ اللَّهَ وتقرَّبتم إليه بها، وإنَّ مَن مات منكم عليها، لقد مات على الضَّلالة.
وقال المسلمون: إنما (٢) الهدى ما أمرَ اللَّهُ به، والضَّلالةُ ما نَهى اللَّه عنه.
قالوا: فما شهادتُكم على مَن مات منكم على قِبلتِنا؟ وكان مات قبل أن تُحوَّلَ القبلةُ أسعدُ بنُ زرارة من بني النَّجار، والبراءُ بن مَعرور مِن بني سلمة، وكانا من النُّقباء، ومات رجالٌ.
فانطلق عشائرُهم، فقالوا للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: توفِّي إخوانُنا وهم يُصلُّون إلى القِبلة الأولى، وقد صرفَك اللَّهُ (٣) إلى قبلةِ إبراهيم، فكيف إخوانُنا (٤)؟ فأنزل اللَّهُ تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}؛ أي: صلاتَكم إلى بيت المقدس (٥).
سمَّى الصلاةَ إيمانًا؛ لأنَّ وجوبَها على أهل الإيمان، وقَبولَها مِن أهل الإيمان.
(١) روى الطبري في "تفسيره" (٢/ ٦٥٢) القطعة الأخيرة منه (يعني كلام المسلمين وتخوغهم على من سبقهم).
(٢) في (ف): "إن".
(٣) بعدها في (ر): "عنها".
(٤) في (ر) و (ف): "بإخواننا".
(٥) انظر "تفسير الثعلبي" (٢/ ٩ - ١٠)، وأورده الواحدي في "أسباب النزول" (ص: ٣٩) من رواية الكلبي عن ابن عباس.