الكعبة (١)، وكان يُحِبُّ أنْ يوجَّه إلى الكعبة (٢)، حُوِّلَ إلى الكعبة (٣)، فقال عند ذلك: ألا إنَّ القبلةَ حُوِّلَت إلى الكعبة (٤)، {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ}؛ أي: نُحَوِّلنَّك إلى الكعبة.
وقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} هذا أمرٌ لجميع المؤمنين (٥) بذلك بعد ما أمرَ به محمدًا عليه الصَّلاة والسَّلام على الخصوص، وفيه إضمار؛ أي: وفي أي موضعٍ كنتم من الأرض وأردتُم الصَّلاة، فولُّوا وجوهَكم نحوَه.
وقوله تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} أي: اليهودَ والنَّصارى. قوله تعالى: {لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} أي: هي قبلةُ الأنبياء، وأنَّهم إليها كانوا يُصلُّون.
وقيل: {لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ} لعِلْمِهم أنَّك نبيٌّ، وأنَّك لا تأتي إلَّا بالحقِّ.
وقيل: أي: في كتبِهم صفةُ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومَبعثُهُ، وهِجرتُه، وتحويلُهُ إلى الكعبة، فكانوا يعلمون أنَّ اللَّهَ سيُحَوِّلُهُ إليها، {أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ}.
وقوله: {لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ} ترجعُ الكنايةُ إلى التَّحويل الذي دلَّ عليه قولُه:
(١) قوله: "ثم صرف إلى الكعبة" رواه أحمد في "مسنده" (٢٩٩١) من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
(٢) قوله: "كان يحب أن يوجه إلى الكعبة" رواه البخاري في "صحيحه" (٣٩٩) من حديث البراء بن عازب رضي اللَّه عنه. وسلف بعضه عند تفسير قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ}.
(٣) قوله: "حول إلى الكعبة" رواه الطبري في "تفسيره" (٢/ ٦٦٨) عن السدي.
(٤) روى أبو داود في "سننه" (١٠٤٥) من حديث أنس رضي اللَّه عنه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه كانوا يصلون نحو بيت المقدس، فلما نزلت هذه الآية: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}، فمر رجل من بني سلمة فناداهم وهم ركوع في صلاة الفجر نحو بيت المقدس: ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة، مرتين، قال: فمالوا كما هم ركوع إلى الكعبة. وهو عند مسلم في "صحيحه" (٥٢٧) بلفظ: "ألا إن القبلة قد حولت" يعني دون لفظ: "الكعبة".
(٥) في (أ): "المسلمين".