والثالث: أي (١): ليس يمكنُك استصلاحُهم باتِّباع قبلتهم؛ لاختلاف وجهتهم، وتباين نحلتيهم؛ فبيَّن أنَّه محالٌ، غيرُ ممكنٍ بحال.
وقوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ} جمع هوى، وهو الإرادةُ والمحبَّة، ولم يقل: هواهم؛ على الوحدان، لاختلاف إرادة (٢) المخالفين؛ أي: ولئن وافقتَهم في القِبلة، مداراةً لهم وحرصًا على إيمانهم.
وقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} أي: بيان القبلة. وقوله تعالى: {إِنَّكَ إِذًا} هو بيانُ الوقت؛ أي: حين تفعل (٣) ذلك.
وقوله تعالى: {لَمِنَ الظَّالِمِينَ} أي: الضَّارينَ نفسَك.
وقيل: أي: واضعين العملَ في (٤) غير موضعه.
وقيل: الخطابُ للنَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- والمرادُ غيرُه، ويجوزُ أن يكون له وإن كان معصومًا، لما مرَّ أنَّ العصمةَ لا ترفعُ النَّهيَ.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: قوله: {وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} فيه الوعدُ له بالعصمة في المستقبل، ويَحتملُ أن يكون معناه: وما لك أنْ (٥) تُتَابِعَهم في القِبلة. وهذا التأويلُ كأنَّه أقربُ؛ لما خرجَ آخر الآية على الوعيد (٦).
وفي الآية إثباتُ رسالتِه؛ لأنَّه أخبرَهُ بالإياسِ عن اتِّباعِهم له في قومٍ بأعيانهم، وكان كما قال، ولا يوصَلُ إلى مثله إلَّا بوحيٍ مِن اللَّه عزَّ وعلا.
(١) في (ر) و (ف): "أن".
(٢) في (أ): "إرادات".
(٣) في (ر): "بلغك" بدل: "تفعل".
(٤) لفظ: "في" من (ر).
(٥) لفظ: "أن" من (أ).
(٦) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (١/ ٥٩٠).