سعوا بينهما مسحُوهما، فلمَّا جاء الإسلام، قال المسلمون: كان المشركون يطوفون بينَهما من أجل (١) الصَّنمين، وليسا مِن شعائر اللَّه، فأنزلَ اللَّهُ تعالى هذه الآية (٢).
وقال محمَّدُ بنُ إسحاق: كان على الصَّفا صنمٌ على صورةِ رجلٍ، يُقال له: إساف، وعلى المروة صنمٌ على صورة امرأةٍ، يُقال لها: نائلة، وحكيَ عن أهلِ الكتاب أنَّهم زعموا أنَّهما زَنيا في الكعبة فمُسِخَا حجرين (٣).
وقيل: إنَّ المسلمين لمَّا صلَّوا إلى الكعبة قال المشركون: عادوا إلى قبلتِنا، فيعودون إلى (٤) ملَّتنا، ولمَّا طافوا بين الصَّفا والمروة قالوا: اتَّبعوا دينَنا، فامتنعَ المسلمون عن الطَّواف بهما لذلك، فعرَّفهمُ اللَّهُ تعالى أنَّه ليس باتِّباعِ دينهم، ولكنَّهما مِن شعائرِ اللَّه.
ثمَّ اختلفَ العلماءُ رحمهم اللَّه في السَّعي بين الصَّفا والمروة:
قال (٥) مجاهدٌ وعطاء: هو غيرُ فرضٍ ولا واجب، وتركُهُ لا يوجبُ شيئًا؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى قال: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} وهذا يستعمل في المباح دون الواجب، ولأنه قال: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا}، والتطوُّعُ: التَّبرُّع (٦).
وقال الحسنُ -وهو قول الشافعي رحمه اللَّه (٧) -: هو فرضٌ، لا يَتمُّ الحجُّ ولا
(١) في (أ) و (ر): "لأجل".
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٢/ ٧١٤).
(٣) انظر "سيرة ابن هشام" (١/ ٨٢)، وفيها أنهم اتخذوا إسافًا ونائلة على موضع زمزم ينحرون عندهما. وذكر الواحدي في "أسباب النزول" (ص: ٤٢) نحوه معلقًا عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
(٤) في (أ): "في".
(٥) في (أ): "فقال".
(٦) قولا مجاهد وعطاء رواهما الطبري في "تفسيره" (٢/ ٧٢٢ - ٧٢٣).
(٧) انظر: "نهاية المطلب" للجويني (٤/ ٣٠٢).