العمرة إلَّا به؛ لأنَّه قال: {مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}، ولقول النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ اللَّه تعالى كتب عليكم السعيَ فاسعوا" (١).
فأمَّا قولُه: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فهو لما بيَّنَّا أنَّهم كانوا يتحرَّجون عن ذلك؛ لِمَا فيه من التَّشبُّه بالكفار، فنَفى الجُناح عنهم من ذلك الوجه، وأمَّا قولُه: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} ليس هو لأصل السَّعي على ما نبيِّن في تفسير هذه الكلمة مِن بعد.
وقال أبو حنيفة وأصحابُه رحمَهم اللَّه -وهو قول سفيان الثوري وعامَّة أهلِ العلم-: إنَّه واجبٌ، وتركُه غيرُ مفسدٍ، ويَنجبرُ بالدَّم (٢)؛ لأنَّه نسكٌ قد يُؤتَى به بعد طوافِ الزِّيارة، فلا يكونُ ركنًا كرمي الجمار وطواف الصدر، وهذا لأنَّه يَحِلُّ بعد طواف الزِّيارةِ كلُّ شيءٍ، وليس بعد التحلُّل ركنٌ.
وقوله تعالى: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} أي: تَبرَّع بعد الحجِّ والعمرة بحجَّةٍ أُخرى أو عمرةٍ غيرِ الأولى.
وقيل: أي: تَبرَّعَ بشيءٍ مِن الخيرات والطَّاعات في الدِّين.
وقيل: أي: زادَ في الطَّواف بعد قدرِ الواجب، وهو قولُ الكلبيِّ ومقاتلٍ وجماعة (٣).
(١) رواه الشافعي في "مسنده" (١٧٥٧)، وأحمد في "مسنده" (٢٧٣٦٧)، (٢٧٣٦٨)، والدارقطني في "سننه" (٢٥٨٤)، (٢٥٨٥)، والحاكم في "المستدرك" (٦٩٤٣) وغيرهم من حديث حبيبة بنت أبي تجراة رضي اللَّه عنها. وهو حديث حسن بطرقه وشواهده كما قال محققو "مسند أحمد".
ورواه الطبراني في "الكبير" (١١٤٣٧)، و"الأوسط" (٥٠٣٢) من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، وفي إسناده المفضل بن صدقة، وهو ضعيف. انظر "مجمع الزوائد" (٣/ ٢٣٩).
(٢) انظر: "المبسوط" للسرخسي (٤/ ٥٠).
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" (١/ ١٥٢)، و"تفسير الثعلبي" (٢/ ٢٩).