إلى شيءٍ يتمكَّن فيه وشيءٍ يَعتمدُ عليه، وأنَّه لا بدَّ من ضياءٍ، وظلامٍ، وأزمنةٍ، وحرارة ينشأ بها الأشياء.
والسَّماء وما فيها متعلِّقٌ بعضُها ببعضٍ، ومحتاجٌ بعضُها إلى بعض، ولا قِوام للإنسان إلَّا بها، والكواكبُ لا بدَّ منها للاهتداء بها في البرِّ والبحر، وليُعرف بمجاريها عددُ السِّنين والحساب.
والهواءُ لا بدَّ منه؛ لأنَّ السَّماء إذا كانت طبقًا للأرض، فلا بدَّ مِن هواءٍ يَضْطَرب فيه الأنفاسُ، ولا بُدَّ مِن أن يكون ذلك باردًا يَصِلُ نسيمُه إلى النُّفوس، فتتماسكُ به، ألا ترى أنَّ مَن مُنِعَ منه الهواءُ بالأخذ بفمه وخياشيمه، لم يَلبث أنْ يموتَ؟ والرِّيحُ يحرِّكُ الهواء.
والحيوانُ منها ما يُستطابُ لحومُها، فيحتاج إلى لحومها للاغتذاء بها، وللتَّقوِّي على الأعمالِ التي يَتِم بها أمرُ المعاش، وما كان منها غيرَ مستطابِ اللَّحمِ يُرْكَبُ ويُحْمَلُ عليها الأثقال، وما خرجَ مِن (١) هذين فقد يُنتَفعُ بشحومِها ومراراتِها ولحومِها في معالجة المرضى.
فهذا يدلُّك (٢) على تعلُّقِ بعضِها ببعضٍ، وحاجةِ بعضِها إلى بعض، والعالمُ كلُّه كالبَدنِ الواحد، يُمسِكُ بعضُه بعضًا، ويتألَّفُ (٣) بعضُه ببعضٍ، فيَدلُّ ذلك كلُّه على أنَّ له مؤلِّفًا هو ألَّف الجميع.
ويدلُّك ذلك كلُّه على أنَّه لا يُشبِهُ شيئًا مِن خلقه بوجهٍ، ولا يُشبِهُهُ شيءٌ؛ لأنَّ حقيقةَ المشتبهين شيئان، يَجوزُ على أحدِهما ما يجوزُ على الآخر، فلو أشبهَ خلقَهُ
(١) في (أ): "عن".
(٢) في (ر) و (ف): "يدل".
(٣) في (ف): "يأتلف".