كفروا، يعني: مثلُ محمَّدٍ مع الكفَّار، كمثلِ النَّاعق مع الغنمِ المنعوقِ بها، يقال: نعقَ الرَّاعي بالغنمِ ينعِقُ نعقًا (١)، إذا صاحَ بها زجرًا (٢).
وقوله تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} الدُّعاءُ: الذي قد يُسمَعُ وقد لا يُسمَع، والنِّداءُ: ما يُسمَع.
وقيل: الدُّعاء: ما كان لطلبِ الفعل، والنِّداءُ: ما كان لطلبِ الجواب.
ومعنى الآية على جميع الأقاويل فيه مع نظمِها بما قبلَها (٣): ومثلُ هؤلاء الكفَّار الذين يقولون: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} في دعائك إيَّاهم، كمثلِ النَّاعقِ في دعائهِ البهائمَ التي لا تفهمُ، كالإبل والبقر والغنم.
والحذفُ فيها حسنٌ، كقولك: زيدٌ كالحمار؛ أي: في البلادة، وعمرٌو كالأسد؛ أي: في الشَّجاعة؛ لأنَّ المعنى في أحد الشيئين أظهرُ، فيُشَبَّهُ به الآخرُ؛ ليظهر بظهوره، وهذا قولُ ابن عبَّاسٍ والحسن ومجاهدٍ وقتادةَ والرَّبيع (٤)، وهو اختيارُ الزَّجَّاج والفرَّاء (٥).
وقيل: معناه: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا} في دعائِهم آلهتَهم، كمثل النَّاعقِ في دعائِه ما (٦) لا يَسمع، وذلك أنَّ البهائمَ لا تَفهمُ الكلامَ، وأقصى أحوالِ الأصنام أن
(١) في (أ): "نعيقًا".
(٢) بعدها في (ر): "تعي".
(٣) بعدها في (ر): "أي".
(٤) روى أقوالهم عدا قول الحسن: الطبريُّ في "تفسيره" (٣/ ٤٥ - ٤٦)، ورواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (١/ ٢٨٢) (١٥١٣) عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، وعلقه بعده عن مجاهد والحسن وقتادة والربيع وغيرهم.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (١/ ٢٤٢)، و"معاني القرآن" للفراء (١/ ٩٩).
(٦) في (ر): "بما"، وفي (ف): "من".