وقال الزَّجَّاج: {غَيْرَ بَاغٍ}؛ أي: غير مجاوزٍ قدرَ حاجتِه، {وَلَا عَادٍ}؛ أي: غيرَ مُقَصِّرٍ عمَّا يُقيمُ به حياتَه (١)، لا يمتنعُ عن أكلِه فيموت، فيكون قد ظلمَ نفسَه.
وعن مسروق قال: من اضْطُرَّ إلى أكل (٢) ميتةٍ، فلم يأكل منها فماتَ، دخلَ النَّار (٣).
وعن بعضِهم: أنَّه لا يُجاوزُ ثلاثَ لُقَمٍ.
وقيل: {غَيْرَ بَاغٍ}؛ أي: غير آكلٍ فوق الشِّبَع، فيكونُ قد بالغَ في الإفساد، {وَلَا عَادٍ}؛ أي: غيرَ متعدٍّ حدَّ الضَّرورةِ، وهو بلوغُ الشِّبَعِ.
وقيل: {غَيْرَ بَاغٍ} خارج على إمامه، {وَلَا عَادٍ} على النَّاس بقطع الطَّريق، وهو مذهبُ الشافعيِّ -رحمه اللَّه-، فإنَّ الباغي عندَه لا يترخَّصُ برخصِ المسافرين (٤).
وقلنا: هو ببغيهِ لم يخرجْ عن الإيمان، فلا يستحقُّ الحرمان عن رُخَصِ أهلِ الإيمان، ولأنَّ الباغي المقيمَ يَمسحُ على خفَّيهِ يومًا وليلةً، كالعادلِ المقيم، فكذا المسافرُ الباغي، يَمسحُ ثلاثةَ أيَّامٍ ولياليها (٥)، كالمسافر العادل.
وقوله تعالى: {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} أي: لم (٦) يأثمْ بتناولِ هذه الأشياء عند الضَّرورة.
(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (١/ ٢٤٤).
(٢) لفظ: "أكل" من (أ).
(٣) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (١٩٥٣٦).
(٤) انظر: "الأم" للشافعي (٣/ ٦٥٣).
(٥) في (ف): "بلياليها".
(٦) في (أ): "لا".