والجوع، قال اللَّهُ تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} الآيات الأحزاب: ١٠.
ثمَّ نصبُ "الصابرين" بطريقين:
أحدهما: أنَّه عطفٌ على قوله: {وَالسَّائِلِينَ}؛ أي: وأعطى المالَ الفقراءَ السَّائلين، والصَّابرين الممتنعين عن السُّؤال، وعلى هذا يكونُ قولُه: {وَحِينَ الْبَأْسِ}؛ أي: الشِّدَّةِ والضِّيقِ دونَ الحرب؛ أي: وآتى المالَ الذين يَصبرون على الفقرِ والقِلَّةِ والشِّدَّة.
والثاني: أنَّه عطفٌ على قوله: {مَنْ آمَنَ}، ومن آتى، والموفون، وحقُّه الرَّفعُ، وإنَّما نُصِبَ على المدح (١)، وللعرب عند طولِ الكلام ذلك في المدح والذمِّ، قال قائلُهم:
لا يَبْعَدَنْ قومي الذين هُمُ... سُمُّ العُدَاةِ وآفةُ الجُزْرِ
النَّازِلينَ بكلِّ مُعْتَركٍ... والطَّيبين معاقدَ الأُزُرِ (٢)
وقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} أي: هم الموفون حقَّ الصِّدقِ قولًا وفعلًا وعَقدًا، وحقَّ التقوى حظرًا وكراهةً وندبًا، والصِّدقُ فيما يُفعَل والتَّقوى فيما يُترَك.
* * *
(١) بعدها في (ر): "من آمن"، وهي مقحمة.
(٢) البيتان للخرنق بنت بدر بن هفان، وهما في "الكتاب" (٢/ ٦٤)، وروايته فيه: "والطيبون" بدل: "والطيبين"، والبيتان في "ديوان الخرنق" (ص: ٢٩)، وروايته فيه: "النازلون. . . والطيبين"، قال شارحه: ويروى: "النازلين. . . والطيبين".