والفرضيَّةُ على القاتل حقٌّ لوليِّ المقتول، ثمَّ له الخيارُ في الاستيفاءِ والعفوِ والصُّلح بالتَّراضي.
وقيل: الفرضيَّةُ في الاقتصارِ على القاتل في القِصاص، دون التَّعدِّي إلى ما كانوا يرونَهُ مِن قتلِ عددٍ كثيرٍ بفردٍ، وقتل أحرارٍ بعبد.
وقوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} أي: يُقتَصُّ؛ الحرُّ القاتلُ بالحرِّ المقتول، فلا يُتعدَّى إلى غير القاتل.
والقصاصُ: هو إتباعُ الفعلِ فعلًا مثلَه، من قولك: قَصصتُ أثرَه؛ أي: اتَّبعتُه، قال تعالى: {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} الكهف: ٦٤، وقال (١): {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} القصص: ١١، و: قد قَصصتُ الحديثَ قصصًا؛ أي: أتبَعْتُ بعضَهُ بعضًا.
وقوله تعالى: {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} أي: العبدُ القاتلُ بالعبدِ المقتول، والأنثى القاتلة بالأنثى المقتولة، وليس فيه نفيُ جريان القِصاص بين الحرِّ والعبدِ والذَّكرِ والأُنثى، بل فيه منعٌ عن التَّعدِّي إلى غيرِ القاتل.
وسبب (٢) نزوله أنَّ بني النضير كانوا يقولون لبني قُريظة: إذا قتلتُم منَّا عبدًا، قتلنا منكم حرًّا، وإذا قتلتُم منَّا امرأةً، قتلنا منكم رجلًا، وإذا قتلتُم منَّا حرًّا، قتلنا منكم حُرَّين، وكانوا على ذلك قبل خروج (٣) النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولمَّا كان يومُ بدرٍ، وقُتِلَ صناديدُ قريشٍ، وقصدَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بني النَّضير و (٤) بني قريظة؛ طلبوا الذِّمَّةَ، ورضُوا بحكم الإسلام فيهم في القصاصِ والدِّيَةِ وغيرِ ذلك مدَّةً، ثمَّ قُتِلَ واحدٌ مِن بني النَّضير، فقالوا لبني قريظة:
(١) لفظ: "وقال" من (أ).
(٢) "سبب" سقط من (أ) و (ف).
(٣) في (ر): "ظهور"، وفي (أ): "مبعث".
(٤) "بني النضير و" ليس في (ف).