لا نَرضى إلَّا بقتلِ رجلين منكم، فقالوا: نَتحاكَمُ إلى محمَّدٍ، فجاؤوا النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "دمُ النَّضيريِّ وفاءٌ للقُرَظِيِّ، ودمُ القرظيِّ وفاءٌ للنَّضيريِّ، ولا فضلَ (١) بينهما"، فقال بنو النَّضير: لا نَرضى بهذا، فنزل قولُه تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} الآية المائدة: ٥٠، ونزل قولُه تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الآية (٢).
وقولُه تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} تقديرُ الآية وتقريرُها على قول ابنِ عبَّاسٍ والحسنِ البصريِّ والضَّحَّاك ومجاهد رضي اللَّه عنهم: فمَن أُعطي (٣) على سهولةٍ، وأريدَ به وليُّ القتيلِ، يقال: خُذ ما أتاكَ عفوًا؛ أي: سهلًا (٤).
وقوله تعالى: {مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} أي: من جهةِ أخيه المقتول، وقوله: {شَيْءٌ} أي: شيءٌ مِن المال بطريق الصُّلح، ونَكَّرَهُ لأنَّه مجهولُ القَدْرِ، فإنَّه يَتقدَّرُ بما تَراضيا عليه.
وقوله تعالى: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} أي: فله اتِّباع؛ أي: فلوليِّ القتيل اتِّباعُ المُصالح بمعروف؛ أي: مطالبةٌ ببدلِ الصُّلح على مجاملةٍ وحسن معاملة (٥).
وقوله تعالى: {وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} أي: وعلى المُصالح أداءٌ إلى وليِّ القتيل بإحسانٍ في الأداء.
وقال جماعةٌ -وهو مرويٌّ عن عمرَ وابن مسعودٍ وابن عباس رضي اللَّه عنهم-:
(١) بعدها في (ف): "لدم".
(٢) روى الطبري نحوه في "تفسيره" (٨/ ٤٦٩ - ٤٧٠) عن ابن جريج مرسلًا.
(٣) بعدها في (أ): "له".
(٤) روى أقوالهم عدا قول الضحاك الطبريُّ في "تفسيره" (٣/ ١٠٤ - ١٠٦).
(٥) من قوله: "وقوله تعالى: فاتباع" إلى هنا ليس في (أ).