والمريض، ثمَّ نُسِخَ حكمُ الصَّحيح المقيم إلى الحتم بعدَ التخيير، فأُعيدَ حكمُ رخصةِ الإفطارِ في المرَض والأسفار؛ ليُعلم أنَّه باقٍ غيرُ منسوخ.
ثمَّ قوله تعالى: {مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} قديره: مريضًا أو مسافرًا، وهو كقوله تعالى: {دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} يونس: ١٢؛ أي: دعانا مضطجعًا على جنبه، أو قاعدًا، أو قائمًا.
وقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} إطلاقهُ يقتضي التخييرَ بين الجمع والتَّفريق، فوجبَ القولُ بإطلاقِه، ولم يَجُز تَقييده بالتَّتابع بخبر الواحد؛ لأنَّ النصَّ لا يُترَكُ به.
قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} قال ابنُ عبَّاس رضي اللَّه عنهما: أي: في (١) التَّرخيص في الإفطار في الأمراض والأسفار (٢).
وقيل: أي: يريدُ يُسْرَكم في نقلِكم مِن شرعٍ إلى شرع، وإن كان الثَّاني أشقَّ عليكم طبعًا، فإنَّ الحكمَ الأوَّلَ في هذا كان هو التَّخيير، ثمَّ الحتم، وهذا أشقُّ، لكنَّه تيسيرٌ أيضًا معنًى، وهو الوصول إلى النعيم المقيم، ولذلك سمَّى اللَّهُ عزَّ وجلَّ أعمالَ الخير يُسرًا، فقال تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} الليل: ٧، وأعمالَ الشَّرِّ عسرًا، فقال تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} الليل: ١٠، ولا يُسرَ كدخول الجنَّةِ، ولا عسرَ كدُخول النَّار.
قوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} قيل: الواوُ زائدةٌ، كما في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} الزمر: ٧١.
(١) قوله: "أي في" من (أ).
(٢) روى الطبري في "تفسيره" (٣/ ٢١٨) عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما نحوَه، ونصه ثمة: اليسر: الإفطار في السفر، والعسر: الصيام في السفر.