وقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قيل: أي: لا تُلقوا أنفسَكُم بأيديكم إلى التَّهلُكة، فالأنفسُ مضمرة، والباءُ أداة.
وقيل: الباء زائدة، ومعناه: لا تُلقوا أيديَكم إلى التَّهلكةِ، والأيدي عبارةٌ عن كلِّ البدنِ، كما قال تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}؛ أي: تبَّ هو.
وقيل: معناه: لا تستسلموا للهلاك؛ أي: لا تَمتنِعوا عن القتال لأجل الشَّهر الحرام إذا بَدؤكم، فتكونوا قد استَسلمتُم للهلاك، والعربُ تقول لمن استسلم للهلاك ولم يَدفَع عن نفسِه: ألقى بيديه، وأعطى بيديه، قال أبو تمام:
أعْطَى بكِلْتا يَدَيْهِ حينَ قيل لَهُ... هذا أبُو دُلفَ العِجْلِيُّ قد دَلَفَا (١)
وقيل: معناهُ: لا تخرجوا إلى الحرب بغير سلاحٍ.
وقيل: بغير زادٍ.
وقيل: لا تُهلِكوا أنفسَكم بترك الإنفاقِ في سبيل اللَّه تعالى على المحتاجين مِن أصحابِكم، وهو هلاكُ النَّفس بعقوبةِ الآخرة.
وقيل: أي: يظفرُ بكم (٢) عدوُّكم، فيهلِكُكم إذا تركتُم الإنفاقَ في سبيل اللَّه تعالى.
وقيل: أي: لا تَمنعوا ما فرضَ اللَّه تعالى عليكم من النَّفقة والصَّدقة (٣)، فتَهلِكوا عندَ اللَّه، قال تعالى: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ} الأنفال: ٤٢.
وقيل: أي: أنفِقوا ولا تَقولوا: إنَّا نخافُ الفقرَ إن أنفقنا فنهلك.
(١) انظر: "ديوان أبي تمام" (بشرح التبريزي) (٢/ ٣٧٤)، والقصيدة في مدح أبي دلف العجلي.
(٢) في (أ): "عليكم".
(٣) في (ر): "الصدقة والصدق" بدل: "النفقة والصدقة".